مرات أخويا اتصلت بيا وانا في الشغل من شوية وكانت بتبكي بدون توقف, ومقدرتش أفهم منها سبب البكاء غير لما أخويا حسن خد منها التليفون وفهمني إن بنتي مريم تايهة من الصبح وعمالين يدوروا عليها ومش لاقينها, خرجت من الشغل أجري وانا حاسس بأعراض ذبحة صدرية, وده ببساطة لأني عايش في الدنيا كلها عشان حاجة واحدة بس, عشان بنتي مريم اللي جت بعد 20 سنة جواز, ويوم ما جت أمها ماتت وهي بتولدها, وعشت معاها 10 سنين لحد ما بقت هي الحاجة الوحيدة اللي عايش عشانها..
يعني ببساطة لو حصلها أي حاجة أنا هموت فعلا, خاصة بعد أمراض القلب اللي مسكتني في الفترة الأخيرة, وصلت البيت ولقيت مرات أخويا ومعاها كل ستات البلد قدام البيت, وبعض الجيران خرجوا مع أخويا حسن يدوروا على مريم بنتي, حاولوا يطمنوني وانها أكيد هتظهر أو بتلعب هنا ولا هنا, بس أنا من جوايا كان عندي شعور قوي إني مش هشوف بنتي تاني, معرفش ليه بس كان يقين تام للأسف..
وقد كان, فضلنا لحد الساعة 12 بالليل بندور على البنت بدون أي نتيجة, وكأن الأرض اتشقت وبلعتها, وقتها بس فقدت النُطق وبدأ الحرقان في صدري يزيد, وكنت على يقين انه مع الوقت لو بنتي مظهرتش أنا هموت, ورجعنا على البيت وبعض الجيران كلموا أكتر من حد في قسم الشرطة عشان يساعدونا, والكل حرفيا كان واقف معانا, وعدت الليلة عليا أسوأ من أي ليلة في حياتي, تاني يوم أخويا ومراته وبنته نور طلعولي الشقة, وفضلوا يطمنوا فيا وان الموضوع أكيد هيعدي وان شاء الله هتظهر, شوية وبدأت نور تبكي لأنها بتحب بنت عمها مريم وزعلانة على ضياعها, بدأت أطمنها عشان تهدى لأنها كانت مصدومة وبزيادة من أحداث اليوم اللي فات..
شيـــاطــيـن الإنـــس
وطلعت على القسم تابعت معاهم البلاغ وروحت لأكتر من مكان, المستشفى والمساجد وحتى دار الأيتام اللي في المدينة, مسبتش مكان ممكن يجي على بالي إلا وروحته, بس برضه مفيش أي نتيجة تُذكر, وقتها بس فقدت الأمل, فقدت الأمل ورجعت على البيت وانا حرفيا كبرت 20 سنة, مش شايف قدامي ومفاصلي بتأن, وكأن شبح الموت بيشاورلي من بعيد..
أخويا حاول يخليني أبات معاهم تحت بس مقدرتش, وطلبت منه يسبني أطلع أنام في شقتي, نور كانت هتطلع معايا بس أنا محبتش انها تسيب أبوها وامها وسبتها تحت معاهم, مهما كان طفلة 12 سنة ومش هتتحمل راجل زيي فقد الأمل وبقا بيتمنى الموت في أقرب وقت, بس قبل ما أنام سمعت جرس الشقة, فتحت لقيت أخويا ومعاه واحد جارنا كان مُصر يقابلني, ولما طلبت منه يسبني لأني محتاج أنام قال انه عارف طريق بنتي, كلامه حفز كل خليه في جسمي, دخلته بسرعة واخويا وقتها كان نزل يعمل الشاي ومسمعش كلامنا من الأساس, و طلعه ونزل فورا..
دخل جارنا وبدون مقدمات قالي إني لازم أفتح المندل عند الشيخ بركات, وان الشيخ بيعرف يرد الغايب, وان ده الحل الوحيد ومفيش غيره إطلاقا, فكرت كتير وردمت كل قناعاتي عن إن ده شِرك ودجل, ومشيت بأسوأ مبدأ اتبعه الإنسان في الحياة “الغاية تُبرر الوسيلة” وتاني يوم بس كنت عند الشيخ بركات ومعايا مبلغ كبير أوي, وكنت مستعد أدفع كل ما أملك حرفيا, المهم يديني طرف خيط يدلني على مكان بنتي..
الشيخ كان قاعد في بيت عادي زي كل البيوت ومخصص غرفة كبيرة لاستقبال الحالات, وطبعا دخلت وحسيت نفسي في فرح كبير, لأن أغلب رواد الشيخ من الستات, الفئة اللي للأسف بتصدق كل ما هو غير حقيقي, بس واضح ان انا كمان تفكيري بقا نسوي أكتر منه رجالي, مش مهم, المهم بنتي ترجع وبس, وخدت دور وللأسف اكتشفت إني هستنا لآخر الليل على ما أدخل, وكان لازم حيلة, حيلة شيطانية, مانا كدا كدا ماشي في سكة الحرام, ووسط الزحمة روحت متحرش بواحدة ست, ومش أي ست, دي اللي ظاهر منها الشراسة وعارف انها هتفضح الدنيا, ومسافة ما بصت ناحيتي وهتبدأ تفتح صوتها ثورت فيها واتهمتها بالكذب وقلبت الطاولة عليها تماما..
طبعا الشيخ خرج يجري, قولتله انها بتتبلى عليا وانا راجل كبير ومش هتحمل استنا وسط الستات دول ولازم أدخل الأول, وهو عشان يوقف المشكلة دخلني أول واحد, ونجحت الخطة البسيطة, ومسافة ما دخلت للشيخ حكتله كل حاجة وبدأت أترجاه بكل التوسلات اللي في الدنيا انه يقف معايا ويساعدني بأي طريقة, لقيته مسك منديل أبيض وطلب مني اسم بنتي واسم أمها المتوفية, وبدأ يقرأ طلاسم غريبة وغير مفهومة..
شوية ولون وشه اتغير وقالي ان بنتي أقرب لعالم الأموات من عالم الأحياء, وان الاحتمال الأكبر انها مش هترجع, حسيت وقتها بألم شديد وكنت هفقد الوعي, وطيت وبوست على ايده, وقولتله إني هديله ثروة كبيرة بس يتصرف, يدلني على مكانها بأي طريقة كانت, فكر شوية وبعدها سكت, شوفت في عنيه ان فيه حل بس متردد, اترجيته بعيون زايغة زي المجنون, وهو شاف ده واتأكد انه لو مساعدنيش أنا ممكن أقتله هنا, قالي انه محتاج 50 الف جنيه, وهيفتحلي السكة بس, وكل اللي بعده هو مالوش دعوة بيه, وفعلا جمعت كل ما أملك واديته المبلغ كله, وكانت السكة عبارة عن كتاب, كتاب بخط إيده هو, أو ممكن نقول مذكرات, كانت مذكرات فيها طُرق تحضير, أو بالأدق طريقة تحضير واحدة, طريقة بيكون مطلوب فيها تضحي بحد عشان ترجع حد, ولازم يكون من نفس الدم, يعني ببساطة هدبح نور بنت اخويا حسن عشان ترجع مريم بنتي..
وانا بعد ما دفعت 50 الف مش هقف ولو هدمر الدنيا وما فيها, بس نور انا بحبها, بحبها أوي, بس مش هيكون أد حُبي لبنتي, وعلى نص الليل كنت محضر كل حاجة حرفيا, الشمع, الرسومات, والبخور, واستنيت, استنيت لحد الصبح, لحد ما خرجت نور تجيب العيش, واستقبلتها على أول السلم, أبوها خرج للشغل وأمها قفلت باب شقتهم, خدتها على شقتي بحِجة انها هتجبلي فطار معاها, وهي كانت في قمة الأمان, وبدون أي مقدمات ولا تفكير دبحت-ها فوق النجمة المرسومة, ورددت الطلاسم كلها, وعملت كل المطلوب بكل دِقة, شوية ولقيت باب الشقة بيخبط بقوة..
شيـــاطــيـن الإنـــس….
فتحت الباب فتحة بسيطة لقيت أمها بتسألني عنها وانها راحت تجيب عيش ومرجعتش, وهي قلقانة عليها, قولتلها إني معرفش مكانها, بس خطأ واحد, شافت الدم في كف إيدي, ولقتها هتصرخ بأعلى صوت وكأنها عارفة أنا عملت ايه, وقبل ما تفكر تهمس كنت كاتم نفسها وطاعنها ست طعنات لحد ما هديت تماما, وحطتها جثة هامدة جمب بنتها, وقفلت باب الشقة بالمفتاح واستنيت, استنيت رجوع بنتي بعد ما عملت كل المطلوب بالحرف الواحد..
وعلى العصر كنت نايم وسط النجمة والدم, وجمب الجُثتين, نايم بعُمق, نايم بعد ما فقدت الإحساس بكل حاجة, شوية وبدأت أحس بجسمي بيتحسب في دوامة كلها ظلام, ظلام دامس, وبدأت أشوف تعبان أحمر طالع من الضلمة دي وبيلف حولين رقبتي وبيعصر بكل قوته, شوية ولقيت عقرب ضخم, ضخم أوي, وكان بيغرز مخالبه في رقبتي, قمت مخضوض, مرعوب, عشان اتفاجئ بجثة نور نايمة في حضني, كأنها اتحركت, حاولت أقوم من مكاني رجلي مكانتش بتستجيب, وكأنها اتشلت تماما, أو فقدت الحياة, حاولت أسند على الكرسي ووقفت بس هي لحظة ووقعت مكاني تاني..
وقتها سمعت خبط على باب الشقة وصوت اخويا, كتمت أنفاسي بالعافية عشان ميحسش بوجودي, فضل يخبط كتير وفي النهاية خرج, زحفت ناحية التلاجة وطلعت المية وفضلت أشرب وكأني هموت من العطش, ورجعت في الصالة عشان أقع من تاني في نفس الغيبوبة, وشوفت نفس التعبان والعقرب, وفضلت على الوضع ده يمكن تلت أيام, تلت أيام جسمي فيهم بقا هيكل عظمي, وجسمي بقا عبارة عن دم وبراز وبول, وريحة الجثث بقت لا تُطاق, كنت بحتضر بالبطئ, وفي اليوم الرابع فقت من الغيبوبة الغريبة دي على باب الشقة بيتكسر, كانوا شموا ريحة واخويا والجيران كسروا الباب..
وكان المشهد الرهيب, مجزرة, أنا عبارة عن شبح انسان, وطفلة مدبوحة, وست مطعونة وجسمهم متعفن, أخويا وقع من طوله متحركش, مات بسكتة قلبية, والشرطة جت حطتني في مستشفى وقت طويل وفي النهاية حققوا معايا واعترفت بكل حاجة تفصيلا, ولما انتشر الموضوع فيه رسالة جت للشرطة من رقم مجهول واتقفل تماما, رسالة من شخص بيقول ان حسن أخويا هو ومراته اللي خطفوا بنتي مريم عن طريق الشخص ده وقتلوها, عشان عارفين ان قلبي مش هيتحمل فراقها وإما هموت أو هتجنن, ووقتها يقدروا يستولوا على البيت كله من واحد ميت أو مجنون..
وتدور الدايرة على الكل, أنا أقتل بنتهم نور وأمها, واخويا بدل ما انا اللي أموت بالسكتة القلبية هو اللي مات بيها, وانا اللي قررت أمشي في سكة الحرام أدوق من نفس الكاس, لو هما صبروا وكان عندهم رضا بنصيبهم مكانش كل ده حصل, ولو انا صبرت ودعيت ربنا كانت كل حاجة هتتكشف من غير سحر ولا دم, بس كلنا اتحطينا في اختبار, وكلنا سقطنا فيه بلا استثناء, وكأن الدنيا بتقولك احذر يابن آدم من الطمع, واحذر من المثل القائل “الغاية تبرر الوسيلة” لأن الوسيلة الحرام بتودي صاحبها للتهلكة, واتحكم عليا بالإعدام, وانتهت العائلة كلها..
تابعونا علي صفحة الفيس بوك