قصص

ميــس فـــاتــن…..ميــس فـــاتــن

بقلم الكاتب: أحمد محمود شرقاوي

من شوية كنت قاعدة في حوش الحضانة وسرحانة شوية في أكتر من حاجة، وفجأة وبدون أي مقدمات سمعت صوت طفل بيقول:
“انا بحبك اوي يا ميس فاتن”
اتخضيت من صوت الطفل اللي كان بيقول الجملة دي، بصيت ورايا لقيته بيتمرجح على المرجيحة في حوش الحضانة، بصتله بابتسامة كبيرة وقولتله:
– انت سايب فصلك وطالع تلعب ليه بقا، هي مش الفسحة خلصت
بصلي بحزن وقالي:
– مانا محدش بيحب يلعب معايا
– معلش يا حبيبي انا هبقا العب معاك بس قولي اسمك ايه
– اسمي كريم يا ميس، بجد هتلعبي معايا
– طبعا يا كريم، يالا بقا على فصلك
راقبته بعنيا لحد ما دخل المبنى وقعدت لوحدي في الحوش شبه مكتئبة، لسة خارجة من طلاق تقريبا دمر كل حاجة في حياتي وخلاني ابدأ من الصفر، ابويا وامي ماتوا، ملحقتش اخلف، وكمان مفيش شغل، لولا كرم ربنا اني لقيت شغل في الحضانة دي من تلت اسابيع بس، وكمان روحت اعيش في شقة اخويا المسافر..
بصيت للسما ودموعي على خدي وذكرى يوم طلاقي بتمر قدام عيني، طلاق عشان مبخلفش، ااااه من القهر والوجع، ياريتك احتسبت الأمر عند الله وكملنا مع بعض، كنت بحبك اكتر من اي حاجة في الدنيا..
أ أرنب
ب بطة
ت تفاحة
ث ثعبان
في اليوم التاني وقت الفسحة خرجت اجيب كباية شاي من عم عبده وقعدت اشربها واراقب الاطفال وهما بيلعبوا، حسيت اني هنتمي للمكان ده بكل كياني بعد كدا، عالم البراءة والنقاء، مستحيل تلاقي طفل كاره طفل ويضحك في وشه زي العالم بتاعنا، عالم الكبار..
لفت نظري على السور كان قاعد كريم لوحده، حسيت بقلبي بيوجعني عليه، قمت قربت منه بابتسامة وقولتله:
– قاعد لوحدك ليه بقا يا كيمو
ضحك اوي اول ما شافني وقال:
– بابا اتخانق مع ماما انهاردة وفضل يضربها ويقولها انتي السبب، وانا مبحبش حد يضرب ماما
بصتله بشفقة كبيرة وقولتله:
– طيب روح العب دلوقتي ونبقا نتكلم في الموضوع ده بعدين
لقيته ضحك وجري على مرجيحة وركبها مع زمايله، وعدى اليوم بكل هدوء وان حسيت بشفقة كبيرة تجاه كريم..
في اليوم اللي بعده وبعد الفسحة كنت متعودة اخود راحة ربع ساعة لوحدي، قعدت في الحوش ورجعت ذكرى طلاقي تطاردني تاني، وبدأت دموعي تنزل لوحدها، ووسط شرودي سمعت صوت طفل بيبكي ورا مرجيحة من المراجيح..
قمت بسرعة ابص لقيت كريم كالعادة، بصيتله بتعجب وقولتله:
– بتعيط ليه يا كريم
– بعيط عشان حاجتين
– ايه هما بقا
– عشان انتي بتعيطي وانا بحبك
ابتسمت اوي وقولتله:
– طيب والسبب التاني
– عشان بابا ضربني انهاردة اوي وانا خايف اروح
حسيت بقلبي بينفطر على كريم، حاولت اطمنه وقولتله:
– انا هروح معاك انهاردة واتكلم مع بابا
يمكن ده مكنش اختصاصي، ده اختصاص مدرسة شؤون الطلاب، بس طالما الولد حكالي انا يبقا لازم اشوف بيحصل ايه في بيته..
بعد اليوم استنيت كريم وخدته معايا في تاكسي على العنوان اللي قلهولي، وصلت البيت اللي كان عبارة عن بيت كبير حوليه جنينة واشجار، لقيت كريم استخبى ورا شجرة وقالي:
– انا خايف
حاولت معاه بكذا طريقة بس مكنش بيتجاوب معايا، قولت هتكلم مع والده واجيبه..
خبطت على الباب، شوية وفتحلي راجل اربعيني، عنده شنب كبير وملامحه قاسية:
– مساء الخير
– مساء النور، مين حضرتك
– انا مدرسة كريم في الحضانة
– اهلا وسهلا اتفضلي
– لا ربنا يكرمك، انا بس حابة اتكلم معاك عن كريم شوية
في اللحظة دي ظهرت واحدة ست وابتسمتلي، بصتلها بابتسامة وقولتلهم:
– كريم ابنكم بيتأثر بمشاكلكم مع بعض وده بينعكس على نفسيته وعلى دراسته في الحضانة
لقيت نظراتهم تحولت للنقيض وابوه بصلي بغضب وقالي:
– انتي جاية تهزري ولا بتقلي ادبك
ذهلت من الصدمة وقولت:
– واضح ان فعلا الطفل كان عنده حق ان حضرتك أب غير مسؤول
وبصيت ورايا لكريم وقولتله:
– واضح ان بابا مبيحبكش
لقيت حد بيمسكني بعنف عشان اصرخ، بصيت لوالده بخوف عشان يبص في عنيا بقوة ويقول:
– انتي بتكلمي مين يا معتوهة انتي، كريم ابني مات في الحضانة عندكم من شهر
بعدها بص لمراته بغضب وقال:
– انتي السبب، لو كنتي وديتيه الحضانة اللي انا قولت عليها مكنش مات
كلامه خلاني احس ان جسمي كله اتخشب من الصدمة، بصيت ورايا ناحية كريم ملقتش حد ورا الشجرة، نزلت درجات السلم التلاتة وطلعت اجري زي المجنونة، كان التاكسي واقف منتظرني، ركبت التاكسي وانا منهارة، جسمي كله بيترعش، بصلي سواق التاكسي وقال:
– فيه حاجة يا استاذة، اساعدك بحاجة
بصتله برعب وقولتله:
– انا كان معايا طفل واحنا جايين معاك من شوية صح
– لا يا هانم كنتي لوحدك، سلامتك، حد تاه منك ولا ايه
حسيت ان الدنيا بتدور بيا والسواد بيلف حوليا، وفضلت في الحالة دي لحد ما فقت لقيت نفسي بقيس الضغط في صيدلية وسواق التاكسي بيشربني مية بسكر..
شكرته لشهامته وطلبت منه يروحني بيتي، وصلنا ورفض ياخد اي فلوس وسابلي رقمه عشان لو احتجت حاجة، طلعت شقتي حاسة اني في غيبوبة، مش مستوعبة اللي حصل، خدت مسكن قوي ودخلت انام فورا..
وفي منتصف الليل سمعت صوت في نومي، صوت طفولي بيقول:
“يا ميس فاتن”
الصوت كان بيتردد جوة وداني زي صدى الصوت، ومن كتر ما اتردد صحيت وانا قلبي بيدق وجسمي عرقان، شربت شوية مية كانوا جمب السرير وحاولت انام تاني..
بس بدأ الصوت يجي من برة وداني، من تحت السرير..
“يا ميس فاتن انا بحبك”
جسمي كله اتجمد زي الأموات، وعنيا برقت من الفزع وانفاسي وقفت عن الخروج..
“يا ميس مبترديش عليا ليه”
صدري بيطلع ويهبط بسرعة رهيبة وقلبي بيدق بعنف
“يا ميس ردي عليا”
وفجأة سمعت صوت حركة حاجة بتزحف تحت السرير، وظهر كريم، كان واقف قدام السرير بيبصلي بهدوء، عنيه كانت شاخصة مفيهاش أي اثر للحياة ووشه ابيض زي التلج..
قرب مني وحط ايده على ايدي، اول ما لمسني حسيت بلوح تلج نزل عليا، جسمي اتنفض مرة واتنين وعشرة، لساني اتشل عن الحركة، لقيته اتكلم وقال:
– مش هنلعب يا ميس
فضلت اتشنج مكاني واشهق بدون اي كلمة، كمل كلامه وقال:
– انتي وعدتيني يا ميس، ولا هتعملي زيهم ومتلعبيش معايا
فضلت بصاله بفزع ومبنطقش:
– يا ميس انا كدا هزعل
وبدون مقدمات لقيت رقبته اتحركت بطريقة مخيفة واتكسرت خالص، سمعت صوت طقطقة العظم، راسه بقت ساندة على كتفه بطريقة مرعبة، وبدأ يصرخ، يصرخ..
حسيت وقتها اني بموت، روحي بتخرج مني، صوته بدأ يزيد وسمعت صوت حاجات بتتكسر في الشقة، وبدأت انازع عشان اتكلم، صوتي كان بيتحشرج:
– خخخلاص هلللعب معاااااك
لقيت رقبته اتعدلت وابتسم ووقف عن الصراخ:
– طيب هنلعب هنا ولا في الحضاني
– اننننت هنااااا بتخوفني، نلعب في الحضانة
– خلاص مش هزورك هنا تاني، بس نلعب في الحضانة
– مااااشي
– يالا بقا نغني ألف باء
وبصوت متحشرج وبينازع ودموع الخوف بتنزل مني:
– أ أرررنب
– أ أرنب
– ب بببطة
– ب بطة
في النهاية اغمى عليا تماما، صحيت من نومي جريت زي المجنونة على الحضانة، دخلت مكتب المديرة وسألتها عن كريم، بلغتني انه كان طفل معقد بسبب تربيته الشديدة ومشاكل والده ووالدته، وده للأسف انعكس على علاقته مع الأطفال وبقا الكل بيتنمر عليه..
ومن يومها بدأ يظهر طول اليوم في الحضانة بس، اشوفه في الفصل في اخر دكة، بعد الفسحى يقعد على المرجيحة وافضل امرجحه بيها، وبعد اسبوعين استدعتني المديرة وقالتلي اني مفصولة من العمل بسبب سلوكي الغريب..
عرفت ان فيه زميلة اسمها ميس علياء بلغت اني بفضل بعد الفسحى اكلم نفسي واهز في مرجيحة فاضية، واني خطر على الاطفال، ولما المديرة تأكدت فصلتني من العمل..
ليلتها شوفت كريم غضبان اوي، وكل اللي قاله انه مبسوط انه عرفني، وانه خلاص هيروح لمعلمة تانية في الحضانة وقبل ما انطق سمعته بيقول:
– هروح العب مع ميس عاليا
حاولت معاه، حاولت كتير عشان يستجيب، ويفهم انه خلاص مكانه مش هنا، وانه لو كان قرين فحق صاحبه ربنا هيرده، وفي النهاية وعدني، وعدني انه هيستجيب ويرحل تماما، وبعد أيام رجعت شغلي بفضل الله، رجعن وهتفضل الحادثة دي أكبر درس ليا اني لو اتجوزت وخلفت هخلي ولادي رقم واحد في حياتي..

تابعونا على صفحة الفيس بوك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى