قصص

ثــــقــيلة الــــسمع…ثــــقــيلة الــــسمع

بقلم: أحمد محمود شرقاوي

أبويا كان شديد عليا أوي بطريقة مُبالغ فيها زي ما كل الناس كانت بتقول، بس كان مبدأه إن البنت لازم يكون عليها رقيب لأن أصحاب السوء بقوا في كل مكان تقريبًا، وإن البنت بتقابل كمية فتن في حياتها صعب جدًا إنها تواجهها لوحدها، ولما كنت بغضب من تحكماته عشان أنا بنت كان بيقولي إنه لو خلف ولد كان هيتحكم فيه أضعاف ما بيتحكم فيا، بس أنا مكنتش بصدقه، وكنت من جوايا بتمنى لو يموت عشان الدنيا تمشي وأقدر أعيش حياتي اللي مش قادرة أعيشها لوحدي..
لحد ما حصلت أول صدمة في حياتنا لما أمي جالها سرطان، وبقت بتروح تاخد جرعات كيماوي كتير أوي كل شوية، وبدأت ظروفنا تبقا صعبة أكتر وأكتر ومكنش فيه حل غير إن أبويا يقدم على سفر ويطلع برة البلد عشان أمي تكمل علاجها، ويوم سفره حاولت بكل الطرق أخبي فرحتي، قرب مني وقالي
ثــــقــيلة الــــسمع…ثــــقــيلة الــــسمع
ووعدته إني هحافظ على نفسي بس طبعًا بأي كلام وخلاص، وبعد ما بقينا لوحدنا قررت أمي تجيب جدتي لشقتنا تعيش معانا لأنها مبقتش قادرة تروح تخدمها كل أسبوع، وده لأن جدتي كانت ست كبيرة بتتحرك بالعافية وكان سمعها ضايع تمامًا، يعني لازم تصرخ جمب ودانها عشان تسمعك، فكنا بنعاني عشان نتواصل معاها، ورغم إن وجودها في البيت كان مضايقني إلا إني قولت أمي هتنشغل معاها وأنا هخرج وأروح وأجي براحتي..
وفعلًا وبعد شهور أبويا بقا بيبعت فلوس كتير وحالتنا المادية بقت كويسة جدًا، وبقيت بكدب على أمي وأقولها عندي دروس وأخد فلوس أخرج اتفسح بيها، ولما كانت بترفض كنت بتخانق معاها وهي ولأنها مريضة مكنتش بتقدر تتخانق وكانت بتريح دماغها وتديني اللي أنا عاوزاه..
وقتها بس شوفت الحياة اللي كنت محرومة منها، بقيت بخرج، بتفسح، عرفت صحبات كتير، وبقينا بنضحك ونهزر وبنتكلم في مواضيع صحوبية الولاد والارتباط وغيره، ويمكن ده بيكون أهم موضوع بيشغل البنات والأولاد في مرحلة ثانوي..
وبعد فترة بسيطة أمي تعبت أكتر ودخلت المستشفى، وقرروا إنهم يحجزوها شوية عشان التعب بيزيد عليها، ومن يومها وبقت أمي بتتحجز في المستشفى أكتر ما بتخرج منها، وبقيت بفطر واتغدى واتعشى ديليفري، أجيب أحسن لبس في الدنيا وأخرج واتفسح، وكنت بروح لأمي كل يومين في ميعاد الزيارات، وكانت جدتي زي النعمة في حياتي، لأن لولا وجودها كانوا بعتوا حد يعيش معايا، وهي وجودها حاليًا زي عدمه، مبتسمعش تقريبًا، بشغل أغاني بأعلى صوت في الأوضة وهي ولا هنا..
ثــــقــيلة الــــسمع…ثــــقــيلة الــــسمع
لحد ما كلمتني واحدة صاحبتي وقالتلي إن فيه واحد مُعجب بيا وعايز يكلمني، وقتها قلبي دق بشِدة وحسيت بفرحة غير طبيعية، ولما بعتتلي صورته اتعلقت بيه من أول نظرة، وفعلًا بعتتله رقمي واتصل بيا وبقينا بنتكلم مع بعض ليل نهار تقريبًا، شوية وبقينا كمان بنخرج مع بعض ونتفسح وكانت أمورنا كويسة جدًا، بس الغريب إن في الفترة دي بقت جدتي بتبصلي بنظرات غريبة أوي كل ما بخرج وبدخل، وبقت بتدخل عليا الأوضة كتير وتفضل تبصلي بنظرات غريبة..
ويمكن أقدر أقولها بكل صراحة إني بقيت بخاف جدًا من نظرات جدتي ناحيتي، وفضلت جدتي تعمل الأمور دي كتير لحد ما بقيت بنفعل عليها وبزعق فيها من وقت للتاني، لحد ما دخلت عليا في مرة وأنا بكلم (يوسف) ولقتها بتبصلي بنفس نظراتها قفلت بسرعة وسألتها عن سبب دخولها، ولقتها بتتكلم بهدوء وبتقولي
(أوعى تكوني بتعملي حاجة حرام، البنت لازم تحافظ على نفسها كويس)..
استغربت إنها بتتكلم بالهدوء ده وقولتلها إني مبعملش حاجة حرام خالص، بس الغريب إنها بصتلي بصة أغرب وقالت
(متأكدة؟؟)
هزيت راسي وقفلت وراها الباب وفضلت أفكر، الست دي كانت زي الميتة ولا بتسمع ولا بتتكلم غير قليل، ازاي ومرة واحدة كدا بقت واعية وفاهمة وبتتكلم، وفضلت على الحال اللي أنا فيه بكلم يوسف وبنخرج مع بعض لحد ما حصلت تجاوزات ما بينا كتير، وده زود تعلقي بيه، لحد ما حصلت مشكلة كبيرة لما عملنا تجاوزات في حديقة عامة وحد مسكنا واتضربنا وكنا هنتسلم للقسم لولا ربنا سترها، عشان كدا يوسف رجع لطلبه القديم، يجيلي الشقة طالما أمي في المستشفى وجدتي مبتسمعش..
حاولت أرفض من تاني بس قالي إن ده الحل الوحيد وإنه هيجي انهاردة مهما حصل، وملقتش حل غير إني أوافق، وفعلًا اتفقنا وجالي على الساعة ١٠ بالليل بعد ما جدتي دخلت أوضتها، دخلته بسرعة ودخلت أوضتي وقفلنا علينا الباب، بس كلها دقايق واتفاجئت بجدتي بتخبط على الباب، جسمي كله اتنفض وهو نزل استخبى تحت السرير، فتحت الباب وأنا بحاول أتمالك أعصابي لقيت جدتي بتسأل إن كان فيه حد معايا في الأوضة، ورتها الأوضة وقولت
(الأوضة فاضية زي ما أنتي شايفة)..
ثــــقــيلة الــــسمع…ثــــقــيلة الــــسمع
لقتها بتقول إنها سامعة صوت حركة بسيطة تحت السرير، هو فعلًا يوسف اتحرك، بس الصوت اللي خرج أنا سمعته بالعافية يبقا ازاي هي سمعته، لقتها زقتني وبصت تحت السرير، وأول ما شافت يوسف بدأت تصرخ بصوت ضعيف، وحسيت برعب غير طبيعي لما يوسف خرج وحاول يسكتها بس هي مكنتش عايزة تسكت، فضل يسكتها وهي تصرخ لحد ما كتم نفسها، حاولت أدافع عنها زقني جامد وفضل يضغط لحد ما وقعت من طولها، وبعدها هرب من الشقة كلها وسابني لوحدي..
حاولت أهز جدتي بس مكنتش بتتحرك، مفيش أي نبض، جدتي ماتت، وقتها شوفت أبويا قدام عيني وسمعت كل كلمة كان بيقولها وليه كان بيحذرني من الدنيا وأصحاب السوء، وليه كان بيقول إن المصيبة بتقع في لحظة ولازم نتقي الله عشان يسترنا، وفكرت أكلم أمي وانقل جدتي على سريرها وأقول إنها ماتت بطريقة طبيعية عشان موديش نفسي في داهية..
وفعلًا كلمت أمي اللي كانت بتاخد جرعة كيماوي ورجعت تجري، وقرايبنا كلهم اتجمعوا وكان واضح إن الموضوع هيعدي واتقال وفاة طبيعية، بس الدكتور لما بص عليها قال فيه شبهة جنائية ولازم نبلغ الشرطة، وفعلًا جه أمين شرطة وبدأ يتكلم معايا، وأنا كنت ببكي عليها عشان يبطل يسألني لأني مكنتش قادرة اتلم على أعصابي، ولقيت والدي رجع يومها من السفر بالليل وقال إنه بعتلها سماعة متطورة من برة وبمبلغ كبير أوي..
ثــــقــيلة الــــسمع…ثــــقــيلة الــــسمع
السماعة دي عن طريق التحكم بجهاز ريموت تشغلها وتقفلها براحتها، ولما بتشتغل بتسجل ريكوردات على الموبايل تلقائيًا من خلال تطبيق، وممكن نسمع لو كانت مسجلة آخر لحظات وفاتها، وفعلًا اتفضحت، سماعة جدتي كانت بتجيب مكالماتي مع يوسف، وكانت بتجيب كلامي القبيح، وجابت آخر لحظات لما دخلت الأوضة ويوسف خلص عليها، أمي وقعت في الأرض يومها بسكتة قلبية وأبويا كان هيتجنن وأنا ويوسف اتقبض علينا..
البيت كله اتخرب وكل حاجة اتدمرت، كل حاجة باظت عشان كنت فاكرة إن الحياة إني أصاحب شباب واتعرف على صحبات سوء وألبس وأخرج براحتي، وكنت شايفة تحكمات أبويا غلط، لكن اكتشفت إنه كان بيحميني من الدنيا وكان بيحميني من نفسي، لكن للأسف أنا اللي استاهل..

تابعونا على صفحتنا على الفيس بك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى