قصص

جــــدة قـــاســيـــة….جــــدة قـــاســيـــة.

بقلم: أحمد محمود شرقاوي

جدتي أكتر واحدة كانت بتستسهل وهي بتدبـ ..ـح الفراخ والبط، لدرجة إني شوفتها أكتر من مرة بتخنق البطة لحد ما تموتها وبعدين تنزل بيها ميتة على طول وتقطعها وتطبخها، رغم إني فاكرة كويس أوي في مرة لما لقت السكينة باردة قامت ماسكة البطة بكل قوتها لحد ما خنقتها، وفاكرة كويس أوي البطة وهي ميتة كانت عنيها مفتوحة على آخرها ومتسلطة على جدتي بغضب شديد..
كأن البطة كانت عايزة تنتقم منها، ومش هنسى صوت البط والفراخ الغريب اللي حصل وقتها وكأنهم بيتخانقوا وبيزعقوا عشان جدتي متخنقش البطة، بس جدتي كانت زي ما بيقولوا من عالم تاني، بتتعامل بقسوة مع كل حاجة وأي حاجة، وشايفة إن الطيبة بتساوي (العبط) وإن اللي ميتغلبش على قلبه هيخسر حقه كله..
أما جدي فكان راجل طيب وصامت مبيتكلمش إلا نادرًا، وأغلب يومه برة البيت ومكنش بيجي غير على النوم، معتزل جدتي من زمان وبينام في أوضة لوحده، ونادرًا لما بشوفهم بيتكلموا مع بعض هما الاتنين، وأنا كنت مُجبرة كل فترة أروح أقعد عندهم لأن أبويا كان بيسافر وأمي كانت بتروح لأمها تقعد معاها بالأيام في المستشفى..
الحقيقة ورغم قسوة جدتي الشديدة كانت بتتعامل معايا بكل ود وحِنية ومكنتش بشوف منها حاجة وحشة، وكانت بتعملي كل الأكل اللي بحبه رغم إن ده عكس طبيعتها، لحد ما كنت عندها آخر مرة وقالتلي تعالي ندبـ ..ــح البطة مع بعض عشان أنتي بتحبي البط، وفعلًا طلعنا وكالعادة كانت السكينة باردة، عشان كدا جدتي مسكت البطة بكل قسوة من رقبتها لحد ما خنقتها، كنت براقب المشهد بخوف وأنا خايفة أعترض أو مش عارفة أتكلم، في اللحظة دي كان فيه تيس قرونه ضخمة على السطح هجم على جدتي ونطحها وقعها على الأرض..
أول ما وقعت بدأت تسب وتلعن وبعدين سابت البطة وخدتني ونزلنا، بس مكنتش أعرف انها غضبت وقررت تنتقم من التيس انتقام قاسي شوية، جابت المنشار ونادت على شاب جارها يمسكلها التيس وطلعت وربطوه كويس وبعدين خلت الشاب يمشي، وقدام عنيا نشرت قرون التيس لحد ما قطعتها من مكانها، معرفش جابت قوة وطاقة منين تعمل حاجة زي دي، بس اللي شوفته بعدها إن التيس أول ما اتفك جري بكل سرعته ونط من على السطح ونزل ميت..
شكل التيس وهو على أرض الشارع وبينزف دم كان مُرعب، ورغم إنه كان ميت إلا إن عنيه كانت بتتحرك ناحية جدتي، وكأنه كان بيراقبها وبيبص عليها هي وبس، وفي النهاية عنيه جت في عنيا ومات، وشالت جدتي التيس على أساس إنها هترميه لكنها دبحته ووزعت اللحمة بتاعته على الناس عشان يتقال عنها ست كريمة وبتوزع لحمة، والغريب إنها طبخت منها وكلت عشان تنتقم من التيس اللي قرر إنه ينطحها، وعشان يكون عِبرة لكل البط والفراخ اللي على السطح إن اللي هيعصي أوامرها أو يتمرد هتكون نهايته زي التيس ده بالظبط..
اعتزلت الأوضة وأنا حاسة بإحساس غريب أوي، وبقيت مش قادرة أتعامل مع جدتي ولا أقرب منها وشايفاها عبارة عن شيطان رغم إني لسة صغيرة، وفي الليلة دي بدأت أسمع صوت في الصالة، صوت خطوات تقيلة عمالة تروح وتيجي، معرفش ليه حسيت بخوف كبير لأني مكنتش متخيلة إن دي خطوات إنسان طبيعي، قربت من الباب وفتحته، وقدام عيني شوفت التيس، التيس اللي مات ولحمته اتطبخت، كان عمال يتحرك في الصالة ومكان قرونه بينزل منه دم كتير، وعنيه كانت تالفة وبتنزل مادة بيضا، مسافة ما شوفت المشهد ده قفلت الباب بسرعة وأنا مرعوبة وفضلت اترعش في الأوضة بتاعتي، لدرجة إني دخلت تحت البطانية بتاعتي بسرعة..
أول ما نزلت تحت البطانية الباب خبط بقوة واتفتح، بصيت من فتحة صغيرة في البطانية ولمحته، كان واقف بيبص عليا، بس المرة دي كان واقف زي الإنسان مش الحيوانات، وكان شكله مُرعب بطريقة لا تُوصف، وقرب من السرير بتاعي وفضل يدور حوليه وكأنه عايز يلاقي أي مدخل أو مكان يدخلي منه، وقتها حسيت برعب مالوش أول من آخر وكنت بتمنى الموت ولا إني أعيش الموقف ده، وكلها لحظات ولقيت حاجة بتمسكني، وقتها بس صرخت بأعلى صوت لقيت جدتي واقفة قدام السرير وبتسألني عن سبب صراخي ده..
بصيت يمين وشمال ملقتش أي حاجة، فضلت أنهج وقولتلها إني شوفت حلم مش كويس وكانت عاوزاني أتعشى بس قولتلها إني هنام مش هاكل، وقفلت الباب وراها وأنا بحمد ربنا إن الموقف عدى والحاجة دي مشيت، بس مكنتش أعرف إن دي مجرد بداية، بداية لأبشع حاجة كان مكتوبلي أحضرها..
في الليلة التانية عرفت إن جدي مش هيبات في البيت لأنه هيسهر لحد الصبح في الغيط مع جماعة معارف، وإن أنا وجدتي بس اللي هنفضل موجودين في البيت، دخلت بدري وقفلت عليا الباب كويس عشان كنت خايفة الموقف اللي حصل إنه يتكرر مرة تانية، وبعد تفكير طويل نمت، بس مكملتش ساعة تقريبًا لأني صحيت على صوت صراخ مكتوم..
قمت من النوم مخضوضة وقلبي بيدق، بصيت حوليا مكنتش شايفة أي حاجة، خرجت بهدوء وفتحت باب الأوضة لقيت التيس بيخرج من أوضة جدتي وبيجري على السلم وبيطلع على السطح، بنفس الشكل والهيئة اللي شوفته عليها امبارح، قربت من أوضة جدتي برعب لقتها قاعدة على السرير وبتنهج، حاولت أطمن عليها قالتلي إنها شافت حلم وحش أوي، شافت التيس بيهجم عليها وهي نايمة..
ومن جوايا كنت عايز أقولها إنه مش حلم بس مقدرتش، مش عارفة أزاي هقولها حاجة زي دي، ولأنها صحيت قالتلي تعالي نطلع ندبح البطة بتاعت بكرة لأني هبيعها ونستغل الوقت بما إننا صاحيين، ومن جوايا مكنتش عايزة أطلع، لأني حاسة إن الليلة مش هتعدي على خير، بس مكنش ليا قرار، أنا لسة بنت صغيرة، وفعلًا خدنا الكشاف وطلعنا على السطح..
جدتي سحبت بطة كانت معلماها وقامت دبحة البطة بنفس السكينة الباردة، بس السكينة مدبحتـ.. ـش البطة كويس، عشان كدا هربت وفضلت تجري على السطح وهي بتنزف وفي الآخر نطت ووقفت على سور السطح، جدتي قربت منها بهدوء عشان تمسكها قبل ما تنط، في اللحظة دي شوفت التيس، وكأنه طلع من قلب الضلمة، وشوفته بيجري ناحيتها ونطحها نطحة وقعتها من على السطح، سمعت صرختها بوداني وشوفت نظرت الرعب في عنيها وهي بتحاول تمسك في أي حاجة قبل ما تقع والكشاف في إيديها والدنيا كلها تبقا ضلمة..
ومن حوليا حسيت بالتيس بيدور يميني وشمالي، وبعدها بدأ يشم فيا وبعدها وقعت من طولي، لما صحيت كان فيه هرج ومرج وصريخ، نزلت أجري لقيت الناس متجمعين حولين جدتي، جدتي كانت عبارة عن جثة هامدة، ميتة، وكانت في عنيها نظرة فزع غير طبيعية، جدي وكعادته وبنفس الصمت دفنها، وحتى معملش أي مراسم للعزاء، هي ماتت واتدفنت وبس كدا، وحتى بعد الحادثة دي بكام سنة حاولت أعرف عن جدتي أي حاجة، وليه كانت بتعمل اللي بتعمله ده..
عرفت إن جدتي فيه كلب عضها وهي صغيرة وحلفت من يومها تتعامل مع الحيوانات بكل قسوة لأنهم مبيحسوش، وقررت تنتقم من أي حاجة اسمها حيوان، ومع اعتراض جدي عليها وعنادها قرر يسبها خالص لنفسها، ومقدرش يطلقها لأن الطلاق كان عار في البلد وقتها..
جدتي كانت رحيمة مع الناس وقاسية على الحيوانات، مكنتش تعرف إنهم أمم أمثالنا، بيحسوا، وبيتألموا، وبيجوعوا، وإن ربنا لما وصانا بالرحمة كانت تشمل الإنسان والحيوان، ويوم ما تقتـ ..ـل منهم لازم يكون قتـ ..ـل حلال وبطُرق حلال، ومش شرط عشان بكره حيوان أو اتأذيت من حيوان إني اتعامل معاهم بأذى، زي اللي ممكن يسمم الكلاب أو يضربهم بالنار وهما مقربوش منه ولا اتسببوا بأذى، الناس دول دايمًا نهايتهم بتكون مش كويسة، لأن الراحمون يرحمهم الرحمن..

تابعونا على صفحتنا الفيس بك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى