
جريمةُ النفسِ الزكية
ألَا تتَنازَلِينَ قلِيلاً
عَن قنَاعَاتِكِ الرَّاسِخَةِ كجِبَالِ الحَدِيدِ؟!
أرجُوكِ
لِصَالِحِ الغِزلَانِ في البَرَارِي،
وَلِصَالِحِ الكَواكِبِ فِي السَّمَاءِ
وَلِصَالِحِ الأسْمَاكِ فِي البِحَارِ
ولِصَالِحِ القُوَّةِ في معَاصِمِ المُجَاهدِينَ
ولصَالِحِ اللَّبَنِ الإلَهِيِّ في أثدَاءِ الأمَّهَاتِ
ولصَالِحِ الشِّعْرِ والفنِّ والخيَالِ
والفلسَفةِ والتصوُّفِ وفقهِ الوجدِ والعشْقِ
ولصَالحِ الجُنُونِ والنِّيرَانِ المُقدَّسَةِ
أرجُوكِ
لِصَالِحِ كلِّ أولئِكَ المسَاكِينِ
مُنِّي علَى أرواحِهِم بصَوْتِكِ المَلَاكِ
تصَدَّقِي عليهِم وعَلَيَّ أيتُها العَزِيزةُ المَالِكَةُ
كَمْ نحنُ جائعوُنَ لِخُبْزِ صَوْتِكِ الصَّابِحِ
وكَمْ هِيَ شَرِسَةٌ كالزَّلَازِلِ
لهفتُنا إلَى غَابَاتِ حَنَانِهِ وَظِلَالِهِ العَذْرَاءِ!!
**
أيَّتُها المُسْتَغْنِيَةُ عَنِ العَالَمِ ..
وهوَ فقِيرٌ إليكِ
ليسَ مِن المُرُوءَةِ أن تترُكي الجُرحَ ينزفُ
اكسِرِي قَصَبَةَ السَّهْمِ
وَبِخِنْجَرِ طِيبِكِ الشَّمْسِيِّ انزِعِي النَّصْلَ مِن صَدْرِي
لَقَدْ فتَكَتْ بِي أنفاسُ جَهَنَّمَ
ومرَّتْ عربتُها الثقِيلَةُ عَلَى جَسَدِي
فَمَا مِن دَرْبٍ بِه إلَّا احتلَّته الكَلَالِيبُ
ومَا مِن غُرْفَةٍ إلَّا استعمرَتها الأشواكُ والعتمَةُ الذَّابِحَةُ
**
صَوْتُكِ لَا يُسْمَعُ
يُشْرَبُ كَحِسَاءٍ دَافِئٍ،
كَنَبِيذٍ وَرْدِيٍّ، كمَاءِ مُوسِيقَى!!
صَوْتُكِ لَا يُسْمَعُ
يُؤكَلُ كسِلَالِ شُوكُولَا،
كغَمَامَاتِ مَوْزٍ، كَكَوْكَبِ حَلْوَى!!
صَوْتُكِ لَا يُسْمَعُ
يُعْتَقَدُ وَيُفْدَى كَوَحْيِ غَارٍ،
كَتَرْنِيمَةِ صُوفِيٍّ شَهِيدٍ، كَرَقْصَةِ مَوْلَوِيَّةٍ مَبْهُوتَةٍ!!
صَوْتُكِِ
يا آهَةَ اليَاسَمِينِ المُضِيئَةَ
ليسَ – فَحَسْبُ – خيطَ لآلِئَ
مُمْتَدّاً
لَيْسَ أَسْرَابَ عَصَافِيرَ
مُسَافِرَةٍ نَحْوَ الأَبَدِيَّةِ المَفْتُوحَةِ
صَوْتُكِ نَفَسٌ رَحْمَانِيٌّ
بُرْتُقَالِيٌّ
يَخْتَرِقُنِي حَتَّى سُوَيْدَاءِ القَلْبِ
وَهُنَاكَ – وَالمَلَائِكَةُ خَدَمُهُ –
يُقِيمُ قواعِدَ بيتِهِ المَعْمُورِ،
ويُؤذِّنُ
في الضُّلُوعِ والأنفَاسِ لِتَحُجَّ إلَيْهِ
فمَا يتخلَّفُ نَفَسٌ
أَوْ ضِلْعٌ أَوْ شِرْيَانٌ أَوْ عَصَبٌ
انظُرِي
قوَافِلُ غَادِيَةٌ
قَوَافِلُ رَائِحَةٌ
بعضٌ في الطَّوَافِ والتَّلْبِيَةِ
وبعضٌ فِي المُلْتَزَمِ يُكَلِّمُ اللهَ بدَمعٍ وحَنِينٍ!!
**
مَا تعُدِّينَ
دمُوعِي الحارَّةَ الآنَ
أيَّتُها الشَّفَّافَةُ كرُوحِ الكِرِيسْتَالِ؟!
إنَّها يَا مِسْكِينَةُ أوزارُكِ
يومَ القِيَامَةِ
وإنَّنِي أَخَافُ عَلَى رقَبَتِكِ
فِي ذلِك اليومِ السَّعِيدِ
فأنَا أعرِفُ عَن غَضَبِ دُمُوعِي المَجْرُوحَةِ
أكثرَ ممَّا تعرفِينَ
عَن غُفرانِ صَدرِكِ الرَّحِيمِ
ستَتعَلَّقُ بكِ كلُّ دمعةٍ كطفلٍ جميلٍ مشلُولٍ
قُولِي لِي إذاً!!
كيفَ ستعبُرِين الصِّراطَ بكلِّ هذِه الأثقالِ
مِنَ العَنَاقِيدِ
المُتَدَلِّيَةِ مِن الأقمَارِ النَّازفةِ ..
المُتَعلِّقَةِ برقَبَتِكِ الرَّقِيقَةِ النَّاعِمَةِ البَيْضَاءِ؟!
تَعَالَي!
اطلُبِي السَّمَاحَ الآنَ
أعِدُكِ أَن أشفَعَ لَكِ عندَ هَذا المَطَرِ الأَحْمَرِ
المُتَدَفِّقِ فِي الوِدْيَانِ وَالحُقُولِ
تَعَالَيْ تَعَالَيْ!
غَداً يَا مِسْكِينَةُ
لاَ سمَاحَ، وَلَا شفَاعَةَ!!
غَداً ..
حِين يمُرُّ العَاشقُون خِفَافاً سِرَاعاً فَرِحِينَ
لَا سَمَاحَ لِحَارِمَةِ المسَاكِينِ
وَلَا شَفَاعَةَ مقبُولةٌ لِمُعَذِّبَةِ الأَطْفَالِ!!
**
بِالرَّمَقِ الأخِيرِ
سَأُحَاوِلُ أن أشرَحَ لَكِ
أَنْتِ لَمْ تَحْرمِينِي الاغتِسَالَ بأريجِ صَوْتِكِ
وَالاِسْتِدْفَاءَ بِجَمْرِ وَرْدِهِ
أَنْتِ حرَمتِ الربيعَ
أن يتنفَّسَ على ضفافِ أصَابِعِي وَجَبِينِي
وحرمتِ البحرَ
أن يصلِّيَ على عتبةِ زيتونةِ القمرِ
وحرَمتِ أطفالَ العالَمِ
أن تلعبَ في شوارعِ الفرحِ
وحرَمتِ المآذنَ
أن تقرأَ في كتابِ النَّدى كلَّ صباحٍ
وحرَمتِ الخيولَ
أن تنقدحَ بعيونِها كتائبُ النَّصر، وراياتُ الفتُوحِ ..
أنتِ لَم تَحْرِمِيني السُّكْرَ بِحَانَاتِهِ الإِلَهِيَّةِ
صدِّقيني
أنتِ حرَمتِ الجَنَّةَ أن تمشيَ بين الناس
تعودُ مريضاً
أو تشيعُ جنازةً
أو تصلحُ بين عاشقَين متخاصمَينِ
لجَّ بهما العنادُ والكبرياءُ
وحرمتِ المُوسِيقى
أن تستظلَّ بظلِّ الغابةِ الطائرةِ في اللهفةِ النَّاسِكَةِ
يَا عَالِيَةُ
لو كانَ عليَّ الأمرُ لهانَ
فأنا واحدٌ
من ملايينِ عُشَّاقِكِ المسحُورينَ
واحدٌ مَجْنُونٌ
مِن مَلَايِينَ جَنَّنهُمْ
صَوْتُكِ البَابِليُّ الفِتنةُ
فهامُوا في أرواحِهم عِطاشاً
مَجذُوبِينَ
لكنَّ صَوْتَكِ إذ دخلَ قوقعةَ جَنَّتِهِ
واكتَفى بذاتهِ
سَمَحَ للحُروب والمجَاعاتِ
والطَّوَاعِين
أن تتنزَّه في جسَدِ العالمِ المسكينِ
وتدقَّ خيامَها
في عيُونِه الطفلةِ العسليَّةِ الجَمِيلَةِ ..
صدِّقيني
أنتِ لم تحرمِيني
أنتِ حرَمت التَّجَلِّي أن يتجَلَّى
والبكاءَ أن يَبْكِي
وَالسَّفَرَ أَن يُسَافِرَ
وَالرَّحْمَةَ أَن تُرْسِلَ أَنْبِيَاءَهَا الخُضْرَ فِي صَحْرَاوَاتِ الأَلَمِ
يَا إِلَهِي!!
أيَّةَ جَريمَةٍ ارتكبتِ
أيتُها النفسُ الزكيَّةُ المُطمئِنَّة؟!
تابعونا على صفحتنا الفيس بك