
الثواب والعقاب
… نَزَحْتُ وصديقٌ لي إلى قرية من قرى الريف المصري ألتمس الهواء النقيّ وعَبَق الورود والرياحين ، وسِرنا على طريق حول القرية يُحِيطنا الجمال والحُسن والخُضرة التي تُبَدِّد الهموم والأحزان ، وتُرَوِّح عن الأنْفس الكليلة ، والأجساد العليلة ، تلك الخضرة التي انتظمت الحقول حتى غدت كأنها الجنة الفَيْحاء ، والأشجار ذات الأغصان النَّضِرة والأوراق الكثيفة والثمار اليانعة والظلال الوارفة علي جانب الطريق تهتزُّ وتتمايل كأنها الشارب السَّكران ، أو الراقص النَّشوان ، وعلي البعد بدت النخيل باسقاتٍ لها طلع نضيد ، ضاربةً بطولها في السماء كأنها تحمد ربها وتسبحه .
… وعلى جانب الطريق انحدر الغدير بجماله ومياهه الصافية الرقراقة ، وسارت الفتيات يَحمِلْنَ جِرارَهُنَّ يَؤُمَنَّ الصهاريج لملئها في مشهد بديع كأنه تابلوه راقص لفرقة رضا على مسرح الحياة .
سِرت وصديقي وقد تَحَلَّينا بأبهي الثياب وأحسنها وأجملها فازداد بنا الجمال جمالا ، والحسن حسنا ، وقد دبَّت أقدامنا على الأرض تُجمِّلُها أحذية لامعة انعكست عليها شمس الأصيل فبدت كأنها نجوم وامضة .
… لاح لنا علي حَيْدِ الطريق في مكان مُنحدِر ومنخفض عن مستوى الطريق رجلٌ يحاول أن يرفع حِمْلاً ثقيلا من مُخَلَّفات الحَصاد على مَتن جَرَّار زراعي ، حتى إذا كنا بإزائه طلب منا الإعانة على رفعه وكأنه بنا يستغيث ، تردَّدْنا قليلا بدافع أن هذا سوف يُهدِرُ زِينتَنا ويُزرِي بثيابنا الجميلة ، فأبديتُ امتِعاضا ورفضت دون اعتذار ، وقد خالفني صديقي ودلِف سريعا إلى الرجل يُعينه على ماأراد .
تركتُ المكان وسِرتُ وحيدا بخطوات بطيئة رَيْثَما يَفرُغ صديقي من معاونة الرجل ثم يدركني على الطريق .
… مررت أثناء سيري البطئ بهبوط أرضي في الطريق قد تجمعت فيه بعض المياه الراكدة ، تنَحَّيتُ جانبا لأتفادى هذا الهبوط ومياهه ، فإذا بسيارة تأتي مسرعة تقتحم وتتخطى هذا الهبوط الأرضي المملوء بالمياه فيصيبني وابلٌ من المياه المختلطة بالطين الذي أصاب ثيابي وأسقط هندامي وجعلني في هيئة رثة مزرية .
… أدركني صديقي بعد أن أعان الرجل وحاز الثواب من الله ، وقد سَلِمَت ثيابه من مانال ثيابي من الأذي ، فلما رآني أخذَتْه الدهشة ورق لحالي ، ولكنني أيقنتُ أنه عقاب ربَّاني فوري نتج عن إحجامي عن إغاثة الملهوف طالب العون . وبقي صديقي بثوبه نظيفا لم يدركه ماأدركني من قَذَر .
… قلت لصديقي والحسرة تعتصرني لقد فُزتَ ياصديقي وخَسِرتُ أنا ، فزتَ أنت بالثواب وسلامة الثياب ، وخسرت انا الثواب والثياب
تابعونا على صفحتنا الفيس بوك