
شطيرة وجع هاملت
لاحظ ان أنامل يدها، وهى تقدم فنجان قهوته المرة، طويلة مع دقتها ورقتها، صبوحة الوجه ضاحكة، يراها المرء يحسب أن عذابات الدنيا انتهت، والروح عادت الى الابدان، وجهها يضيء كالشمع يحسبه فى مثل نعومته، الكافية رغم بساطته، يلفك فى سحره، ولا ترغب فى مغادرته، الساقية يجن من يراها، ترفل بجسد الحوريات فى ملبسها الذى يخفي ويظهر فى بساطته وأناقته، لابد أن يكون قويا متحررا من مخاوفه، قويا رغم تفكك وانهيار حصونه، وخسارته المروعة فى صديق عمره وشريكه فى مكتب الاستيراد بعد ان حرر له توكيل بالادارة
واختفائه بعد بيعه الأصول، وسحبه الأرصدة البنكية، كان امام ممثلا محترفا، وطلاء ذهبيا كاذبا، متى حككت الطلاء، لاتجد غير ذئبا فى صورة انسان، وعش زنابير تتهيأ للدغك حتى العظام، كيف لم يكتشف أن محبته وابتسامته فصل فى رواية الكذب والمداهنة والتملق ؟!
ماأقسى من يبطن عكس مايظهر، ويبتسم فى الوجه، ليطعن من الخلف،
النادلة تتنقل بين الطاولات فى رشاقة، مثل ابتسامة مفاجئة فى وجه انسان متعب، قلما تنفرج اساريره، مالذى قاده الى هنا، يتوجع من غدر الصديق وضياع كل ثروته،
ماأقسى أن تتلون مآساتك بلون القهوة المرة، لون الحزن ولون الموت، أن تفقد قدرتك للخيط الفاصل، بين النفس وبين الروح، وجم وسكن وانخطف لونه ونام،
يد حانية تربت عليه، لم يكن يحلم، النادلة هى من ايقظته، وعلى فمها تتخايل ابتسامة مشرقة، وقد تموجت على كتفيها خصلات شعرها الفاحم المسترسل ووجهها الصبوح، تناديه بصوت لايسمع ويتغلغل بداخله : خذني سراجا يزيح القتامة، ويبعد عن مقلتيك الندامة،
هل هو ثمل ام يحلم ؟ انه امام امرأة مدخرة، لم تدخل ساحته بعد ! راقت له سيدعوها فى لقاء خارج الكافية، وافقته بعد انتهاء عملها الذى ينتهى بعد قليل، حكى مآساته التي كانت اخف من مآساتها، بعد ان طلقها الزوج الذى من اجله هجرت بيت آسرتها، واستولى عى ذهبها ومدخراتها، تعيش فى لوكاندة مخافة العودة لأسرتها، تحمد الله انها لم تنجب منه وانهامازالت واقفة على قدميها تعمل لتعول نفسها، اكتشف من حوارها انها كاتبة روائية، لها اكثر من مجموعة قصصية، اخرجت من حقيبتها اجندة تكتب فيها بعض من جواهر الكلم وابداعاتها،
قرات له قول هاملت لصديقه هوراشيو فى مسرحية شكسبير :
هناك ياصديقي مابين الأرض والسماء، مايعجز وعيك المحدود عن ادراكه !
وتحت تأثير كآبة وصدمة هاملت فى جنس البشر، كشف له شبح ابيه الملك المغدور، حقيقة ماوراء موته المفاجيء، وزواج امه الملكة، من عمه الذى قتل أخاه غيلة، واغتصب الملك والمرأة معا، فى قصة هاملت وجع لا يذهب،
قال لها : انه مازال لديه شقته وسيارته التي سيذهبان بها الي اقرب مأذون، ليكتبا معا قصتهما الجديدة، بعد ان تنفسا لأول مرة، أصدق عواطف الابتهاج، فى عدم البكاء على اللبن المسكوب ومسؤلية تحمل أحزانهما بشرف .
تابعونا على صفحتنا الفيس بوك