للكاتب عبد الرحمن المصري.
صمويل بيكيت والسعادة.. وجهة نظر.
(مسرح العبث)
صموئيل بيكيت (1906-1989) ، الكاتب المسرحي والروائي الأيرلندي العظيم ، معروف بأعماله التي غالباً ما تستكشف موضوعات عبثية الوجود ، وعزلة الإنسان ، واللاجدوى.
يمكن أن تعدّ أعماله الركيزة الأساسية لمسرح العبث العالمي ، بل وأهم منجزاته ، وعلى أن هنالك كتّاباً مشهورين في الشرق والغرب ممن تأثروا به في أعمالهم ، بل وقدّموا ذات الأفكار التي نوّه لها بيكيت وأثار حولها الجدل ،
بطرائقهم الخاصة ، وبينما قد تكون هناك عناصر في أعماله يمكن تفسيرها على أنها انعكاسات لتجاربه الشخصية ، فمن المهم ملاحظة أن الأعمال الإبداعية ليست دائماً كتابات تنعكس عليها السير الذاتية لأصحابها او يمكن قياس توجهات اصحابها الذاتية وفق ما يقدمونه من نتاجاتٍ إبداعية بطريقةٍ مباشرة.
فيما يتعلق بحياة بيكيت الشخصية ، فهي (ما قبل زواجه) مليئة بالتعقيدات ، والاحداث التي يمكن للكثيرين تفسيرها وفق عدّة تحليلات تجعل معظمها متناقضة مع بعضها.
اتسمت سنوات حياته الأولى بعلاقته الجيدة مع والديه ، ونشوئه وسط جوٍ مشحون بالتديّن مع عائلته التي كانت على علاقة جيدة مع الكنيسة الانجليكانية (ذات عقيدة بروتستانتية) في ايرلندا
، أتمّ بعدها دراسته الجامعية لتعلم اللغات في كلية ترينتي في دبلن لتعلم اللغات الفرنسية والانكليزية والايطالية ، عاش بيكيت خلال تلك الفترة عدّة علاقات عاطفية كئيبة.
مارس بيكيت مهنة التدريس ، إلا أن شخصيته التي تتسم بالعزلة والانطواء لم تكن مناسبة لمهنة التدريس التي تتطلب تعزيز اواصر العمل المشترك ، والعلاقات الجيدة مع التدريسيين الزملاء ، ومجاملة الطلبة والتفاعل معهم.
كما كان بيكيت متأثراً ب”جيمس جويس” (1882-1941) الذي عمل معه لفترة انتهت بابتعاد بيكيت بسبب مشاعره تجاه ابنة جيمس جويس “لوسيا” (1907-1982) التي تعاني من الفصام. وتختلف المصادر فيما إذا كان جويس قد طرده بسبب أتهامه إياه بالتلاعب بابنته، أم أن بيكيت انسحب من تلك العلاقة بعد اكتشافه أن لوسيا مضطربة وغير متوقعة التصرفات، ولكن الثابت أنه كان يراسلها ويطمئن عليها حتى وفاتها.
اتسمت سنوات بيكيت اللاحقة بالنضال ، بما في ذلك عمله التطوعي في الحرب العالمية الثانية (1939-1945) ومشاركته في المقاومة الفرنسية إثر دخول القوات النازية.
تزوج بيكيت عام (1961) من “سوزان ديشيفو دومنيل” (1900-1989) التي تعرّف عليها خلال فترة تطوعه في الحرب ، واختار ان يعتزل الناس معها وأن تكون رفقة دربه حتى النهاية.
لم يتحدث بيكيت أمام أي جمهور عام ، ولم يترك أي أثر مسموع أو مسجّلٍ يدل. كان يعتقد أن حياته ليس لها من الأهمية ما يجعلها عامة، وكان فوزه بجائزة نوبل عام (1969) بمثابة اختراق كبيرٍ لعزلته.
يقول بيكيت عن ذلك: “لقد شعرت في المدة الأخيرة بأنه ما لم أحافظ على عزلتي، وبقائي تحت الأرض حرفياً، فإن ما فعلته خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية سينتهي”.
لم يستلم بيكيت الجائزة ، ورفض استلام الشيك ، ورفض حتى ان يتم تسليم الجائزة الى السفير الايرلندي ، ورفض أي لقاء تلفزيوني بعد الفوز بأعظم جائزة (((صفحة مسرح العبث))) للأدب في العالم. وبعد مئات المطالبات
رضخ أن يتمّ تصويره لصالح التلفزيون السويدي ، في لقاءٍ أطلّ فيه من خلال شرفة الفندق (الذي كان يقيم فيه مع زوجته سائحاً في تونس) كانت مدّة اللقاء دقيقة ونصف ، لم يتكلّم خلالها ولم ينبسّ ببنتِ شفة.
يقترح بعض النقّاد أن هذه التجارب أثرت في كتاباته. وسواء أكان يعيش بسعادةٍ أم أن السوداوية والوجودية والعدمية هي انعكاسٌ لحياته في نتاجه الادبي ، فهو أمر ذاتي ويمكن أن يكون منفتحاً على التأويل بشكلٍ كبير ، كما هو الحال مع أي فرد.
Cc
في النهاية ، من المهم التعامل مع الأدب وعلاقته بحياة المؤلف بحذر ، لأنه غالباً ما يكون مزيجاً من الخيال والتفكير ، والتعبير الفني.
مجموعة أعماله
#صمويل_بيكيت/
#مسرح_اللامعقول/مسرح_العبث