ثقافه

قصة قصيرة “المهرج العجوز” للكاتب محمد محمود غدية.

كتب حنان محمد

المهرج العجوز

فقرة المهرج فى السيرك، واحدة من أهم الفقرات، يضحك لها الصغار والكبار، يترقبونها فى شغف وحب، ينحني أمام تصفيق الجمهور، يبادلهم الحب، يمدونه بالطاقة التي تبعث فيه النشاط رغم شيخوته، عيناه تبرقان بدمعة حائرة، بين الإنهمار إنفعالا، والإحتباس مخافة إتلاف الأصباغ، التى تخفي وجهه الحزين، رأت إدارة السيرك فى رفض المهرج للمهام الشاقة التى تطلب مجهودا، وتوازن ورشاقة ومهارة، ضرورة الإستغناء عنه، وهو من خاف إحالته للمعاش وتركه السيرك الذي أفنى فيه حياته وأحبه، يترقب هذا اليوم بقلق، صدقت مخاوفه فى خطاب شكر وإحالة على المعاش، ومبلغ من المال لا يفي متطلبات الحياة،
التي تعتصره بعد رحيل زوجته، وتفرق الأبناء فى كل بقاع الدنيا من أجل العيش، وحيدا يعيش مع ذلك الكلب، الذى كان يشاركه فقرته الضاحكة، الذى إستغنى السيرك عنه منذ شهور ثلاث، رفض العجوز أن تكون نهايته فى الشارع مثل الكلاب الضالة، فأخذه ليعيش معه يشاركه وحدته، كثيرا مايتحدث إليه، يهز ذيله طربا، الكلب لا يفهم مايقوله صاحبه، لكنها كيمياء الحب، وحدها القادرة على التواصل بينهما، كل يوم يستقل الباص وحده، بعد رفض السائق لصحبة الكلب، يدورحول خيمة السيرك، مشيرا هنا قضى سنوات عمره بين ضحك وبكاء، مفتقدا لتصفيق الجمهور، الذى يمده بالطاقة على مجابهة الحياة الكالحة ووحدته، التى ألفها بعد مصالحته مع إعتيادية الغياب والوجع، لم يعد نشطا كما فى السابق، غاض من وجهه التألق، وإنخطف لونه الذى جمد وخمد كأنه ناهض من نوم، أو ماض إلى نوم، بارد الحركة، بارد النظرة، يمضي إلى غير إتجاه، غير منتبه لما حوله، مد ذراعه إلى جدار بيت تشققت جدرانه، يتكيء عليه، يقف مجهدا فى عناء مترنحا، غير قابض على تآوهاته المتقطعة، والمتلاحقة فى وهن بطيء الحركة، بارد النظرة، متبعثر كالأشلاء، متمزق كقطع الليل الموحش إلى أجزاء، تختلط الألوان الرمادية بلون الحزن ولون الموت، هل تعرف معنى أن تفقد شغفك للعمر وللإحساس، لضحكة طفل وفرح الناس ؟
ماقيمة فيض الحب والعمر مثقل بالأعباء والقلب خواء ؟ أوقعه الحظ أن يكون حيوان مدهش إسمه إنسان، لا يختلف كثيرا عن القردة والفيلة والجرذان، لا يختلف كثيرا عن ذلك الكلب الذى يقاسمه العيش، فى حجرة بيته يؤنسه ويسمع شكواه وينام، لا يتقن صناعة الأكاذيب، والنووي والرصاص، الذى يتساقط فى غزة المحاصرة بالنيران والخراب، لا يتقن صناعة السباب، كان يطيب لي شرب الشاي بالنعناع الأخضر مع المهرج العجوز، الذى مازلت أبحث عنه، فى ضحكة الصغار، وتصفيق الكبار، فى لون السماء، وأجنحة النوارس وموج البحار، وكلما دنوت منه أتلفت حولي، لا ألقاه .

تابعونا على صفحة الفيس بوك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى