كتب حنان محمد
النقد ما بعد الحداثة بين العبثية والحقيقة
إنَّ المستقصي مظاهر النقد الأدبي في تاريخ الأدب العربي والفارسي وجدناها كثيرة منوّعة فنقد لفظي، واخر معنوي، وثالث موضوعي، ومن اللّفظي ما هو لغوي أو نحويّ أو عروضي أو بلاغي،
ومن المعنوي ما يتصّل بابتكار المعاني أو تعميقها أو توليدها أو أخذها ثمّ ما يتصّل بالأخيلة وطرق تأليفها لتصوير العاطفة، ثمّ العاطفة الصّادقة والمصطنعة ومن الموضوعي ما يليق بكلّ مقام من المقال أو الفنّ الأدبيّ الخاص.
ومع تطور العلوم الإنسانية واللغوية، نجد أنها (أي كلمة نقد)، قد استخدمت من قبل عدد من النقاد بمعنى فهم الأثر الأدبي والبحث في دلالاته ومعاينه.
ولكن مِن المؤكد أن كلمة “نقد” تبدو كلمة غامضة للبعض، كونها متعددة الدلالات فهي تستخدم تارة بمعنى معرفة الأثر والحكم عليه أو فهمه، وطورا آخر بمعنى تفسيره.
أما فيما يتعلق بالنقد ما بعد الحداثة:
يري بعض النقاد والفلاسفة أنَّ مصطلح ما بعد الحداثة ضربًا من العبثية والشظي لعدم وجود معنى واضح وصريح للمصطلح
فقد انتقد الفيلسوف روجر سكروتون العلوم الإنسانية ما بعد الحداثة وبعض عناصر فن ما بعد الحداثة ،
لكنه لم يهاجم على نطاق واسع المخزون الكامل لمشاريع ما بعد الحداثة المتنوعة. أحد الانتقادات الموجهة إلى ما بعد الحداثة ، ككل ، هو عدم وجود تعريف لما هو ما بعد الحداثة في حد ذاته ، وأنَّ ماهية أي شيء محدد لما بعد الحداثة فهو يشوبة الكثير من الغموض.
جادل اللغوي نعوم تشومسكي بأن ما بعد الحداثة لا معنى لها لأنها لا تضيف شيئًا إلى المعرفة التحليلية أو التجريبية. يسأل لماذا لا يستجيب مثقفو ما بعد الحداثة مثل الناس في المجالات الأخرى عندما يُسألون:
على محمل الجد ، ما هي مبادئ نظرياتهم ، وما هي الأدلة التي تستند إليها ، وما الذي يفسروه إذا لم يكن واضحًا بالفعل ، وما إلى ذلك؟ هذه طلبات عادلة لأي شخص أن يقدمها. إذا لم يتم الوفاء بهم ، فأنا أقترح اللجوء إلى نصيحة هيوم في ظروف مماثلة: إلى ألسنة اللهب(1).
يدعو كريستوفر هيتشنز في كتابه ” لماذا يهم أورويل” إلى التعبير البسيط والواضح والمباشر عن الأفكار ، كما أن ما بعد الحداثيين يرهقون الناس بالملل والنثر شبه المكتوب(2).
فيما انتقد هيتشنز أيضًا مجلد ما بعد الحداثة ، “دليل جون هوبكنز للنظرية والنقد الأدبي “(3).
وعلى الوجهة المقابل يدافع مفكرو ما بعد الحداثة ، مثل المؤرخ البريطاني بيري أندرسون ، عن وجود المعاني المتنوعة المخصصة لمصطلح “ما بعد الحداثة”
، زاعمين أنها تتعارض فقط مع بعضها البعض على السطح وأن تحليل ما بعد الحداثة يمكن أن يقدم نظرة ثاقبة للثقافة المعاصرة(4).
كما يقدم جوش ماكدويل وبوب هوستلر التعريف التالي
لما بعد الحداثة: “نظرة للعالم تتميز بالاعتقاد بأن الحقيقة لا توجد بأي معنى موضوعي ولكنها تنشأ بدلاً من اكتشافها. …
[الحقيقة] تم إنشاؤها بواسطة الثقافة المحددة وهي موجودة فقط في تلك الثقافة. لذلك ، فإن أي نظام أو بيان يحاول إيصال الحقيقة هو لعبة قوة ، محاولة للسيطرة على الثقافات الأخرى(5).
والجدير بالذكر أنَّ مصطلح (ما بعد الحداثة) دخل إلى معجم الفلسفة لأول مرة عام 1979 مع نشر جان فرنسوا ليوتار كتابه (الوضع ما بعد الحداثي).(6)
ومع تطور العلوم الإنسانية واللغوية، نجد أن كلمة نقد)، قد استخدمت من قبل عدد من النقاد بمعنى فهم الأثر الأدبي والبحث في دلالاته ومعاينه.
وقد قسم جميل حمداوي النقد
ما بعد الحداثة إلى ثلاث تقسيمات
يمكننا تفنيد درجات النقد بالنقد الأولي، ثم الاحترافي، ثم الأكاديمي، فالنقد الأولي يهتم بالناحية الانطباعية أولا، ومن ثم يمكنه مزج عدة مدارس معا،
كتنظير أولي للنص لكنه سينتقل حتما للمرتبة الثانية، عندما يصبح الناقد مختصا، ومتعمقا في النص المدروس، ومنصبا نفسه طبيبا أدبيا، يحسن وضع البدائل للعيوب واقتراح حلولا جديدة مهمة،
ترفع النص، كوجهة نظر قارئ وناقد وأديب. أما النقد الأكاديمي، فهو نقد ممنهج، يهدف لعرض الجهد للمختصين والأكاديميين ولشريحة ضيقة جدا من الممارسين والباحثين عن تطوير تجربتهم دوما. إن مقاربة نصوص ما بعد الحداثة، لا تتقيد بالمعايير المنهجية، وليست ثمة قراءة واحدة لها بل قراءات، منفتحة ومتعددة.(7)
وانطلق الدكتور ابراهيم الحيدري من مقولة هانس انسسبيرغر ” الهدف هو ان نرمي الاحجار في البرك الآسنة لتحريكها”
فيما يرى الحيدري أيضًا أنَّ هدف النقد ما بعد الحداثة
هو تحريك الفكر وتحرير العقل من أوهامه التي تكبله والتخلص من أية سلطة معرفية تعمل على كبح لجام العقل ومحاصرته وتعطيله وجعله عاجزا عن تحفيز الفكر واثارة التساؤل.(8)
لقد اكتسبت عملية النقد في العصر الحديث قوة تأثير حقيقية في تطور المعرفة الانسانية وكان المحرك الاساسي للنقد هو الشك بالحقيقة الكلية أو الجزئية، الذي يعكس في الوقت ذاته معرفة اخرى، شرط ان يكون النقد داخليا ويهتم بالمضمون.
وانطلاقا من أن النقد محاولة أولية جادة لفهم العالم وتغييره، يصبح من الضروري تحقيق مهامه التي تتعدى ممارسة النقد الى تهيئة الوعي بأهميته ودوره وفاعليته في اعادة الثقة الى الذات
وايقاظ الطاقات الابداعية الكامنة للكشف عن مكامن القوة والضعف وتحفيز الانسان لرفض وتحدي كل ما يكبل حريته ويعيق تقدمه، لأن جوهر النقد هو الحرية.