قصة قصيرة (رحله) للأعلامي الاستاذ السيد موسى
كتب حنان محمد
ربما كان مارس يخرج لسانه لنا صباح اليوم وهو يقول –انا مش ربيع اوي –ماتحلموش –وحين يطل الصيف من عباءه الربيع تبدا ماكينات المناديل الورقيه في العمل بنشاط
وكان الرجل بميكرفونه الصاخب في ميدان المحطه يعلن عن مناديله الورقيه المزيفه والرخيصه كي يكون هناك طابور جديد يضاف الي قائمه طوابير المصريين اسمه طابور المناديل الورقيه —
بعيدا –ووسط سيارات تركن عجلاتها المرهقه وجدته –مستندا كان علي مؤخره سياره فقدت لونها ماسحا عرقا كثيفا ينحدر فوق تجاعيد الوجه الابيض المشرق كلوز قطن قريتنا ايام اللوز الابيض
–ربما ليؤكد لنفسه ان منديله المحلاوي المصنوع من طويل التيله قبل ان يقصر افضل الف مره من تلك المناديل الورقيه لاسيما ان ام وجده البنات تعيد غسله وتزهيره كما اعتادت من السبعينيات —
-لم اصدق عيني الملتهبتين من الرمد الربيعي المعتاد حين رايته ففركتهما بحده حتي استبانت ملامحه المضيئه والتي زادت اشراقا حين راني قادما اليه تسبقني اللهفه
-يادي النور يااطيب افندي في الدنيا
-طيب لما انت تقولي يادي النور –اقول انا ايه –النور في رحابك ياسيدنا –شكرا للمصادفه التي غيرت طعم ولون اليوم –مليون اهلا وسهلا –نقعد عالقهوه
-وليه مانصليش الضهر في البدوي
-ولااروع من صحبتك
وبدات الرحله المدهشه —-علي ناصيه شارع الصاغه نادي عليه بائع العرقسوس وانزل فورا حمولته رغم شده التصاقها بجسده ومسح الكاس الالومنيوم اشبه بالجره القديمه بكمه وصب العرقسوس بكل جسده
ثم قدمه له بكلتا يديه وكانه يريد ان يدخله بنفسه الي جوفه ليروي مسام الجسد وهو يقول في فرح –حلت البركه في يومنا ياشيخنا —-ولم يكن شيخا —
كان القميص الابيض المكوي بعنايه يرسل اشارات ضوء الي الجاكيت الكحلي المفتوح فيزداد هنداما مع البنطال الجينز الفاتح —-حين ارتوي احتضن رجل العرقسوس بقوه وكان صوت الفضيه الثقيله يصرخ معانقا الدائره النحاسيه حول جسده معلنا عن مقابل مادي يفوق المفترض بعشر مرات
-دا كتيير اوي
-لو حسبت بشاشه اللقيا –ودفء الحضن وتهلل الاسارير لما كفاه كل مااملك —القيمه اعلي من السعر ياافندي
-ذكرتني بامل دنقل حين تكلم عن حبه العين والجوهره
-حبيبك دنقل –وحبيبي قال الصدقه بعشر امثالها والراجل اتصدق علينا بلهفه روحه ولامقابل يعادل ماتصدق به علي
بعد امتار قليله تهلل لمنظر الجميز البلدي يملا مشنه تجاورها سيده هدها التعب –ذهب مطمئنا —
وانحني فرحا والتقط واحده اختارها بعنايه وقدمها لي واكل اخري ثم اخرج محفظته ودس في كف السيده ورقه فئه الخمسين جنيها واخذ يعبيء الجميز في كيس كبير كان يحتفظ به في حقيبه رماديه معلقه علي كتفه وقال لها
-روحي للعيال بدري وخدي كيلوا فاكهه معاكي
كان صوت دعاء السيده يملا ارجاء شارع السكه الجديده صادقا صدق دعوه امي لي وانا اقبل كفيها كنت كل صباح
-ماقلتش دا كتير ليه
-خفت تزعل
-عارف انا شايف ايه دلؤتي
-ايه
-شايف طفلها وهو بعد ساعات يتناول واحده من الفاكهه وطعمها الحلو في فمه كانه دعاء لي انا بالبركه —
الي ان وصلنا المسجد كانت الساعه التي كانت باقيه علي الضهر قد انقضت في احضان وكلمات وحين ولجنا من الباب الرئيسي قال جملته المعتاده
-هاهنا يترك كل منا خليله مؤقتا –انت الي بطن المسجد وانا الي غرفه الضريح
-بس انا عايز اصلي جنبك –هو لازم تصلي في الغرفه يعني
-وجد ورغبه ياافندي –بس عموما هاقاومها علشانك –جمله عايز بتاعتك دي فيها توق جميل
بعد الصلاه وقفت علي باب غرفه الضريح اقرا الفاتحه وجلس هو في ركن معلوم يقرا ايات من القران ثم وقف طالبا كيس الجميز من عامل المسجد ووقف علي باب لغرفه يوزع الجميز بالواحده علي الداخليين والخارجيين —
كان طفلا فرحا متهللا يوزع روحه علي الاجساد المارقه –احسست بالمه حين فرغ الكيس لكنه تمتم بالحمد وانا مدهوشا من كم البشر الذي اخذ —هل كان شجره جميز كامله ام غامت الرؤيه —
-جاء وقت الشاي بالنعناع –او النعنع حسب قصتك القصيره القديمه
-يااه –لسه فاكر ياسيدنا
هل كان كاس الشاي خاصته كبيرا جدا ام غامت الرؤيه –هل كان عود النعناع في كاسه عودا ام شجره مورقه ام غامت الرؤيه –هل اخذت لساعه كامله اخري دروسا في اللغه والتفسير والفقه والميراث والحديث والبشر والحياه وسيره سيدنا النبي —
لاادري –كل ماادريه جيدا هو ذاك الالم الذي حاوط كل جسدي بدائره من الفراغ الملتهب وانا ارفع يدي لاودعه بعد ان جاء ميعاد الفراق —
يالهي –ماهذا الزاد والزواد –وكيف يكون مثل هذا الرجل بيننا ونشعر ضيقا والما —لقد احس بما في جوفي دون كلام –وشرحه لي وكانه يتكلم عن نفسه —كنت انقل جسدي المثقل بثقل روح لاتهدا ابدا وانا اعود تدريجيا الي صخب الشوارع وصوت السيارات والسباب الشبابي المتبادل والعراك وحسابات البيع والشراء وكاني خارج توا من كهف الروح الي ميادين الجسد
-مع السلامه ياسيدنا