شعر

قصة قصيرة (حكايات الفلوس) للأديب الكبير الاستاذ محمود عرفات

كتب حنان محمد .

 

حكايات الفلوس
قرش.. قرشان
طلبت من والدي قرشين، سألني عن السبب وهو يعرف، فقلت له. كان يجلس في الشرفة بعد صلاة الجمعة على مقعد من مقاعد العز القديم، مصنوع من الخيزران، هز رأسه في أسى مكتمل، مد يده نحوي بقرش، قال وهو محزون:

= ليس معي غيره.

أخذت القرش وطيران على مخزن الحاج محمد الصباغ، وقفت على الباب مترددًا خائفًا أراقب الرجل وهو يهش الكثيرين الذين لا يملكون القرشين، انكماشي وصمتي جعلا الرجل يسألني بخشونة:

= انت ابن من يا شاطر؟

نطقت اسم والدي وأنا أمد يدي بالقرش الصاغ الأحمر المشرشر، فبش في وجهي، وأخذ القرش ودفعني بيده إلى الداخل، فدخلت العالم الساحر المسحور، كان أغلى قرش ملكته في حياتي،

وكان أحلى أهلي وزمالك في التاريخ. لا أذكر النتيجة، لكني مازلت أذكر الفرحة التي رأيتها تشع من عيني والدي عندما عدت مسرورًا بعد ساعتين، وهو مازال في جلسته. قبل انتهاء موسم الدراسة بأيام،

سمعت أبي يهمس لأمي في حزن

سمعت أبي يهمس لأمي في حزن أنه في حاجة إلى عشرة قروش لسفرية عمل في اليوم التالي، لم أكذب خبرًا، أخذت ألملم الصحف المتناثرة في حجرات البيت،

وأعيد رصها في نظام، ثم حملتها في هدوء إلى بقال لا يعرفني، دفعت إليه رصة الصحف، فوزنها وأعطاني ثلاثة عشر قرشًا، لم أناقشه، كان حلمي عشرة قروش فقط. عدت فلم أجد والدي على مقعده الأثير، قالت أمي:

= ذهب ليزور أخاه.

أسرعت إلى بيت عمي القريب، أخذت أحوم حول الجالسين، فهم والدي أنني أريد شيئا فأدناني منه، سألني إن كنت أريد شيئًا، هززت رأسي إيجابًا والفرح يهدهدني، أحاط كتفي بيده اليسرى فوضعت القروش الغالية في يده اليمنى، وانفلت هاربًا بدموعي، تاركًا كوب اللبن الدافيء الذي أحبه.

*
عيش فلاحي

كانت المنطقة الإدارية للواء تتمركز على الميول الغربية للتبة القريبة من الطريق العرضي شرق القناة، وعندما استقرت أوضاع قواتنا بدأت قوافل السيارات تنطلق فجرًا إلى الغرب

لتعود مع الظهر محملة بخطوط الذخيرة المختلفة. قصدت النقيب مسعد حمودة قائد سرية النقل وطلبت منه خدمة، رد بصوته الجهوري:

= طلباتك أوامر.

قلت بتردد وأنا أخرج حافظة نقودي المكتظة، وأنتقي منها جنيهًا كاملًا:
= أريد عيش فلاحي وجبنة قديمة وطماطم. تعيين القتال تعب بطني.

أمسك النقيب مسعد بالجنيه، وأخفاه في جيبه، ووعدني خيرًا. في مساء اليوم التالي وصلت قافلة الذخيرة بعد تأخير ثلاث ساعات، كانت الطائرات الإسرائيلية تضرب المعابر بلا انقطاع. انتظرت مسعد فلم يحضر، بحثت عنه في سرية النقل، عندما رآني صاح:

= خذ خمسة وسبعين قرشًا.

أخذت الباقي وأنا أترقب وأتلمظ، تركني مسعد ومضى، أفقت من سرحتي، في طعم العيش الفلاحي المرحرح، وهو يتباعد عني فصحت به:

= أين الأكل يا أستاذ؟

توقف مسعد، ثم نظر لي وهو يتعجب، ثم قال:
= رجال الشرطة العسكرية كانوا جوعى، سألوني عن طعام، فأعطيتهم العيش والجبن القديم والطماطم.
واصل مسعد نظرته المتعجبة لحظات، ثم تركني ومضى.

خس أخضر

في محلات بندة بالدمام، رحت أتسوق، أخذت حمالة معدنية بعجلات ودفعتها أمامي. مررت على الرفوف، تناولت حلاوة طحينية ومربى وجبن مثلثات وشاي فتلة ومناديل ورقية ومعجون حلاقة وصابون تواليت

ومجلة الشباب وأهرام الجمعة الماضية وكيس كفتة مصري. قبل أن أصل إلى ماكينة الحساب تسمرت نظراتي على الخس المدور، جذبتني درجات اللون الأخضر المتباينة التي تلفه،

مددت يدي وأخذت واحدة وضعتها على الحمالة،

واتجهت إلى الولد الهندي الذي يقف أمام المكنة يحسب ويسجل ويطبع الأسعار آليًا. أخذت أنقل الأصناف على السير المتحرك والولد يحسب بسرعة، عندما وضعت الخساية على السير قال:

= أربعة.

قلت كمن لدغه برغوث على غرة وأنا أشير بإصبعي في وجهه:
= أربعة إيه؟
قال:

= أربعة ريالات.

= في الخساية الواحدة.
= معلوم صديق.

ركبني الغيظ والارتباك، ودارت رأسي، خساية بأربعة ريالات، يعني أربعة جنيهات، وعندنا هناك في مصر الثلاثة بربع جنيه. تورطت، الأزمة لن تحل المشكلة، وترك الخساية على السير منظر لا يسر

، لم أحتمل نظرات المصريين التي قالت بغير حروف: بالله عليك لا تفضحنا. منيت نفسي بصحن سلطة معتبر. عندما وصلت إلى المجمع السكني أغلقت الباب،

وأسرعت إلى المطبخ، أخذت الخساية إلى الحوض لأغسلها، فتحتها فذهلت، كانت بلا قلب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى