قصص

استبدال دموي …..استبدال دموي

بقلم: أحمد محمود شرقاوي

انهاردة روحت لمدير المستشفى اللي انا شغال فيها وانا جسمي كله بيترعش وأعصابي منهارة وكنت شبه همسك فيه وقولتله:
“المريضة دي بتقوم من سرير العناية المركزة بالليل وتلف في المستشفى”
قولت الجملة ده وانا شبه ثاير عليه، أما هو فكان باصصلي بكل استخفاف واستهزاء وهو بينفخ دخان سيجارته في هدوء شديد, وبعد ما بصلي اكتر من عشرين ثانية اتكلم ورد:
“ما شاء الله انت عايز تقنعني يا دكتور يا عاقل يا بتاع الطب انت ان المريضة اللي متشخصة بغيبوبة وتحت الأجهزة بتصحا بالليل كمان”
“انا قولتلك اللي عندي عايز تصدق صدق, مش عايز ميخصنيش, وانا مش هقعد في الدور ده ولا هاخد ورديتي في الدور ده, ولو مش عاجبك قولي”
طبعا في العادي كان مستحيل اتكلم بالطريقة دي قدام مدير المستشفى, بس بعد الرعب اللي شوفته ليلة امبارح خلاني مش باقي على حاجة, وبعد نظرات حادة من المدير لقيته بيقول:
“خلاص هنقلك قسم تاني”
روحي ردت ليا لما قالي الكلمتين دول, وفي النهاية سبته ومشيت, مهو مش هبقا دارس سبع سنين طب عشان اول ما اتعين في مستشفى أشوف عفاريت, تولع المهنة باللي فيها, انا مش هضيع نفسي كدا..
وفي اليوم التاني كنت في قسم تاني, وتولع العناية المركزة باللي فيها, استلمت مكتبي الجديد ونقلت حاجتي فيه وقعدت مبتسم, كان قسم الطوارئ وبما ان المكان هنا هادئ نوعا ما, فكل اسبوع على ما بتجيلك حالة بالليل تزعجك..
قعدت العب على الموبايل شوية لحد ما لقيته قرب يفصل, دورت في حاجتي على الشاحن بس ملقيتوش, الله يخربيت كدا, شكل الشاحن لسة في الاوضة القديمة..
الساعة كانت قربت على اتنين بالليل وقتها, قسم الرعاية كان قصادنا بالظبط, قومت من مكاني وانطلقت ناحية المكتب القديم, الدور طبعا كان هادي تماما, مظلم, وخاصة ان كل اوضة فيها واحد واقع في غيبوبة تقريبا, الممرضة جوة الاوضة ومكبرة دماغها ولو سمعت صوت صفارة اي جهاز هتروح, يعني تقريبا الدور عامل زي المشرحة, يمكن مرعب اكتر من المشرحة..
وغصب عني عديت على اوضة البنت اياها, وقفت قدام الباب في رهبة حقيقية, كان مكتوب اسم المريضة “ابتهال سامح شكري”
اتكلمت في سري وانا بقول:
“يا ترى ايه حكايتك يا ابتهال”
فتحت الباب بكل هدوء لقيتها تحت الاجهزة, وشها كله مشوه بالكامل وعليه ضمادات, تمنيت لو قدرت اساعدها, بس افتكرت الرعب اللي شوفته بسببها امبارح, قفلت الباب وروحت على مكتبي, وزي ما توقعت, الشاحن في الفيشة اللي جمب الحيطة, تأملت المكتب لثواني وخدت الشاحن وخرجت..
عديت على اوضة البنت وحاولت مبصش عليها, بس المرعب اني لقيتها, لقيتها في أول الممر بتتمشى, نفس البنت ووشها محاط بالضمادات, جسمي كله اتنفض زي امبارح من تاني, بصيت لها وانا بحاول ارجع بكل هدوء عشان متشوفنيش..
بس المخيف انها بصتلي, بصتلي وشاورت, كانت بتشاور على صندوق القمامة الكبير اللي في اول الدور, بصيتله بعدم فهم وجريت, جريت بعيد خالص وخرجت من اخر الدور ونزلت على الدور الأرضي, وبعدها لفيت من برة المستشفى ورجعت لمكاني, قلبي كان بيدق بسرعة وانا عمال انهج..
رجعت مكتبي وقفلت عليا الباب وفضلت قاعد, شغلت قرآن وفضلت استعيذ بالله من الشياطين, عقلي كان هيشت مني, هو فيه ايه في البنت دي, امبارح شوفتها بتخبط راسها في الحيط بطريقة مرعبة ولما مشيت وراها دخلت مبنى المشرحة واختفت, وانهاردة تشاورلي على صندوق القمامة..
مفوقتش غير على ضوء الشمس اللي دخل من الشباك, كان الساعة ستة الصبح, الوردية خلصت, قمت فورا وطلعت من القسم اللي كان في وشه قسم العناية, وقبل ما انزل على السلم شوفت ام محمود بتشد الصندوق الكبير, مش عارف ليه لقيت نفسي بنادي عليها, سلمت عليها واديتها عشرة جنيه, فرحت اوي ووقفت تتكلم معايا..
هو الصندوق ده بيتغير كل اد ايه
ممكن كل اسبوع مرة, اصل صناديق العناية محدش تقريبا بيرمي فيها حاجة
طيب عنك
لا والله مايصحش يا دكتور
يا ستي انا من دور ابنك, هاتي اشد الصندوق عنك, ونزلنا عند الاوضة اللي بتترمي فيها اكياس القمامة, فضيت الصندوق على الارض وفضلت ادور, معرفش بدور على ايه بس بدور, كانت كلها قطن وشاش و و اي ده ؟؟؟
كانت اسورة بلاستيك من اللي بتبقا ملفوفة على ايد المريض, وبيبقا مكتوب عليها الاسم, ببص على الاسم لقيته “ابتهال سامح شكري”
المريب انه كان بخط ايدي انا, لأني اللي استقبلت ابتهال اصلا في العناية وكتبت اسمها على الاسورة ولزقتها على اديها, حاجة غريبة جدا..
سبت ام محمود اللي كانت مش فاهمة حاجة وطلعت فورا على اوضة ابتهال, فتحت الباب وبصيت على اديها, كانت فيه اسورة تانية, وبنفس الاسم, بس مش بخط ايدي انا..
ده معناه ان حد قطع الاسورة بتاعتها وركب اسورة تانية, طيب ايه الحكمة من كدا ؟؟
خاصة اني بركب الاسورة صح على كف المريض, مين اللي ليه مصلحة يغير الاسورة..
روحت البيت وانا عمال افكر, حاسس بحاجة غريبة, نمت وصحيت على ميعاد الوردية, تاني يوم وانا قاعد في مكتبي بالليل سمعت صوت طرقات على باب المكتب, تلاقيه سعيد جايبلي شاي ولا حاجة, فتحت الباب ملقتش حد خالص..
الدور برضه مظلم وفاضي لأنه بتاع الطوارئ, بصيت يمين وشمال وجسمي كله اتخشب من تاني, كانت هي في أخر الدور واقفة, جسمي كله بدأ ينمل اووي, كنت هجري واقفل الباب بس حسيت اني لازم امشي وراها, لازم وبأي طريقة..

مشيت وراها وانا جسمي كله بيترعش, لقيتها ماشية بدون خطوات تقريبا, جسمها كأنه على عجل, بيمشي وهي ثابتة, يارب استرها يارب, عدت الدور كله لحد ما وصلت للدور اللي فيه تلاجة الاموات, المشرحة, عم عباس مكنش قاعد, دخلت من الباب ولقيت نفسي ماشي وراها, كان جسمي كله بيتنفض ومنمل, رجليا ماشية وكأني فاقد السيطرة عليها, ولقيتها واقفة قدام درج من الادراج وبصاله في صمت..

استنيت تعمل حاجة تانية بس معملتش, هي واقفة قدام الدرج مبتنطقش خالص, وفجأة حسيت بكف ايد بينزل على ضهري, صرخت ولفيت بفزع عشان الاقي عباس, لاقيته مبتسم وبيقولي:
– بتعمل ايه هنا يا دكتور
بصيت من تاني للدرج ملقتهاش, شديته بعنف وقلتله وانا عنيا متسعة من الخوف:
الدرج ده فيه مين يا عم عباس ؟؟
مالك بس يابني في ايه ؟؟
قولي بس الدرج ده فيه مين ؟؟
هتصدقني يابني لو قولتلك معرفش ؟؟
انت بتهزر ؟؟
ابدا والله, من يومين لقيت الدكتور رشدي مدير المستشفى ومعاه الدكتور علاء جايبين الجثة بالليل وبيقولولي خود سكنها في درج, ولما قولتلهم اسمها وبياناتها قالولي خليها بس دلوقتي لحد ما نستدل على بياناتها..
افتح الدرج وريني الجثة دي
مينفعش يا دكتور
بصتله بكل غضب وقولتله:
قسما بالله لو مفتحتوش لبلغ عنك
الراجل اترعب وراح فاتح الدرج, بصيت للجثة بعدم فهم شوية لحد ما شهقت, كتمت شهقتي لما شوفت الجرح, الجرح اللي في كف ايديها وانا بركب الاسورة..
يا نهار ابيض ؟؟
دي ابتهال, بس مفيش في ايديها اسورة, والاسورة هي اللي لاقتها, امال مين اللي في العناية بدالها دي..
في الليل روحت الارشيف وحاولت الاقي اي بيانات عن ابتهال بس ملقتش غير نسخة من التشخيص بتاعها, واحدة جاية في حادثة عربية ومشخصة انها شبه مدمرة تقريبا, وواقعة في غيبوبة..
روحت على اوضة العناية ووقفت قدام البنت اللي على الاجهزة, مسكت ايديها ملقتش الجرح, وبدون وعي شيلت الضمادات من على وشها, وشها كان سليم مفيش فيه خدش..
دي بنت غير ابتهال, ابتهال ماتت وراحت المشرحة في السر, ودي بنت سليمة, كل معدلاتها الحيوية سليمة, مفيش غير البنج اللي مأثر عليها, تاني يوم جريت على القسم, كان ليا صديق ظابط, طلبت منه نسخة من المحضر اللي اتعمل في المستشفى عن بنت اسمها ابتهال سامح شكري..
فضل يدور في المحاضر لحد ما طلعه, لقيته ابتسم وقالي:
تقصد البت اللي خبطها ابن مجلس الشعب بعربيته
بصتله وانا مذهول وطلبت منه يكمل
“مفيش الواد كسر الاشارة وجري وقام خابط البت, الناس اتلموا عليه طحنوه وسلموه للقسم, والبت راحت المستشفى, والنيابة مستنية البت هتفوق وتتنازل ولا هتموت والواد يلبس”
“واهل البت فين”
“مفيش أهل لأننا ملقناش بطاقتها’ بس لقينا ورقة مكتوب فيها الاسم الثلاثي ده فاعتبرناه اسمها, بس لما بحثنا في السجل المدني لقيناه اسم مش صحيح”
“ينفع اشوف الورقة دي”
دور شوية وسط الورق وطلعهالي, واتفاجئت انه نفس الخط اللي كتب اسمها على الاسورة, خط مميز وصعب اي حد يكتب بيها..
اعتقد ان البت ماتت وهما بدلوها عشان ابن المسؤول الكبير ميقعش في الحوار, تخيلت وهما بيبدلوها وبيقصوا الاسورة من ايديها ويرموها في الباسكت عشان كانوا متسرعين, تخيلت وهما بيرموها في الثلاجة لحد ما الموضوع يهدى, خاصة ان مستحيل حد يدخل يراجع بيانات الجثث غير مدير المستشفى نفسه..
مسكت صاحبي من دراعه وحكيتله كل حاجة بالنص, اتحولت نظراته فورا وراح بلغ مأمور القسم, والمأمور بدوره بلغ النيابة اللي اديته تصريح بتفتيش المستشفى لكشف ملابسات القضية..
وتم استدعاء مدير المستشفى وعم عباس والتحفظ على جثة البنت في المشرحة والجسم اللي كان في الرعاية اللي فاق بحقنة افاقة فورا وكان معافى تماما..
اتكشف الواقعة
واتكشفت الواقعة كلها قدام النيابة, عضو مجلس الشعب بعد الحادث لما عرف ان ابنه خلاص بقا في قبضة الشرطة اتصل بمدير المستشفى وطلب منه يخبي بطاقة البنت, بعدها جه تشخيص البنت انها ممكن تفضل شهور في غيبوبة, وكان لازم البنت تفوق عشان الواد يطلع براءة, وفي اليوم اللي كنت انا فيه اجازة سحبوا البنت وفصلوا عنها الاجهزة عشان تموت, وطبعا عشان القضية لسة شغالة خبوا الجثمان في الثلاجة..
في الوقت ده كانت فيه بنت تانية جاهزة تاخد فلوس وتقعد مكانها في العناية تلت ايام تحت البنج, واتحطت دي مكان دي, وكان باقي يوم والبنت تفوق وتدخل عند دكتور التجميل عشان تطلع كأنها اللي حصل فيها الحادث, وعشان تروح تتنازل والواد يطلع بكفالة..
بس يشاء ربك اني اكتشف كل حاجة بسبب قرين البنت اللي اتقتلت مرتين, مرة لما واحد مستهتر خبطها بعربيته, ومرة لما مدير المستشفى فصل عنها الاجهزة وحكم عليها بالموت, ووقع الكل في قبضة المحكمة..
“وكان الجزاء من جنس العمل..

تابعونا على صفحتنا الفيس بك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى