قصص

فتاة الحمام…….فتاة الحمام

بقلم: أحمد محمود شرقاوي

بعد ما بخلص الكلية بتاعتي بروح من باب البر والإحسان لوالدي وأقعد معاه أيام كتير في الشغل بتاعه لأنه كِبر وبقا مش قادر يواصل خلاص، ومع ذلك كان رافض رفض قاطع يسيب الشغل رغم إني عرضت عليه اشتغل مكانه واستمر في الكلية بتاعتي، بس عارضني وبشدة وقالي اني ممكن أسهر معاه ويعملي مرتب بسيط وكمان أسليه في الوردية بتاعته..
ابويا كان شغال في حديقة عامة، حارس ليلي على البوابة الخلفية واللي تقريبا شِبه مهجورة، يعني وردية مفيش فيها كائن حي غيري وغيره وبس، حتى المكان ده في الحديقة مكانش حد من الزوار بيقرب منه وكأنه مكان ملعون، وللأسف الاعتقاد ده حقيقي، لأن بعد البوابة بمسافة ١٠٠ متر فيه حمام كبير مهجور تماما ومسكون بالعفاريت، وانا شخصيا سمعت منه بالليل أكتر من مرة أصوات كتير أوي، أصوات مُخيفة ومش بشرية بالمرة، ولما كنت بحاول أستفهم من والدي هو الحمام ده مسكون فعلا كنت بحس ان لون وشه بيتغير وايديه بتترعش وكأنه هيموت، عشان كدا بطلت اسأل، وفي نفس الوقت قررت ابقا معاه يومين في الاسبوع عشان أهون عليه الشغل..
هو كمان كان بيرفض اني أزوره اكتر من يومين واسهر معاه، رغم إني كنت فقدت الأمل إني أنجح في الكلية وكأن فيه لعنة ماسكاني مش عاوزة تسبني، لسادس سنة بسقط في سنة التخرج وآخر سنة دي ولو اتكرر السقوط هتفصل نهائي من الكلية كلها، مع إني كنت بزاكر وبجتهد اكتر من أي حد، بس زي ما قولت هي لعنة معرفش سببها إطلاقا..
لحد ما بدأت الامتحانات تقرب وبدأ التوتر يزيد جوايا اكتر واكتر، ومن كتر القلق اللي كنت فيه كلمت ابويا ليلتها وطلبت منه أروحله واسهر معاه الليلة، ورغم اعتراضه بس انا كنت مُصر جدا، وفعلا وبعد ساعة كنت عند البوابة الخلفية وقعدت مع ابويا نتكلم شوية، بس كلها دقايق وحسيت ان ابويا شكله بيتغير وبدأ يكح جامد ويمسك صدره، حاولت اديله مية بس كان بيشتكي من تعب غريب، وفي النهاية قالي انه هيدخل الاوضة يريح شوية وطلب مني أفضل انا بحرس المكان..
خدت الموضوع عادي رغم إن دي كانت أول مرة فعلا ابويا يعمل ده ويسبني في الوردية لوحدي، ودخل ينام في النهاية وقعدت انا على الكرسي اتابع الصمت والظلام في الجنينة اللي كانت غرقانة فيه..
شوية وبدأت أحس ان فيه حركة من حوليا، الموضوع كان بيتكرر كتير بس دايما كان بيبقا ابويا معايا، انما انا دلوقتي لوحدي، لوحدي تماما، فضلت كتير بحاول اعرف الحركة جاية منين بس للاسف معرفتش، شوية وشوفت ظل رغم الضلمة بيجري من جمب سور الجنينة، كأن فيه حد نط من عليه، جسمي كله قشعر وانا مش عارف ده شغل عفاريت ولا ده حد من العيال المدمنين وداخل يشرب ولا يعمل حاجة في المكان..
استعنت بالله وقررت مصحيش ابويا اللي أساسا مريض، لأنه لو كان عيل معاه سلاح يبقا يأذيني انا أحسن، مسكت عصاية شديدة واتحركت ناحية السور وبدأت أتفقد المكان عشان أشوف مين ده وبيعمل كدا ليه، وفعلا بدأ اسمع صوت خطوات من حوليا بتجري، وكل ما كنت أبص يمين وشمال مش عارف أشوف حاجة، فضلت كدا يمكن عشر دقايق في الرعب ده لحد ما لقيت نفسي بدون أي مقدمات قدام الحمام المهجور، وفوجئت بواحدة مش ظاهر ملامحها واقفة قدام الحمام، جسمي اتنفض أول ما شوفتها وهي قبل ما انطق بنص كلمة جريت ودخلت جوة الحمام وهي بتضحك..
ايه الجنان ده بقا، ومن جوة الحمام بدأت اسمع صوت ضحك مكتوم جوة، فكرت ارجع لابويا بس حسيت بالخجل من نفسي، هقوله انا خايف من واحدة، شغلت فلاش الموبايل ودخلت الحمام فورا، كانت أول مرة ادخله، وفوجئت بريحة غريبة ومكتومة بتهاجمني أول ما دخلت، بصيت يمين وشمال مفيش أي حاجة، الحمام كان متقسم لأربع أبواب داخلية كل واحد بيفتح على حمام صغير، وبدأ صوت الضحك المكتوم يتردد من حوليا مرة تانية، قربت من أول باب وانا شعر راسي كله واقف وفتحته، بس الحمام فاضي تماما..
قربت من التاني ثم الثالث، مفيش أي حاجة، قربت من الباب الرابع ومسافة ما فتحته لقيت البنت اياها، كانت واقفة وساكتة تماما، تمالكت أعصابي بالعافية واتكلمت بصوت مبحوح وقولت:
. – انتي مين ودخلتي هنا ليه
مفيش أي رد إطلاقا، دي مجنونة ولا حكايتها ايه بالظبط، قربت منها بشويش بس قبل ما المسها سمعت من ورايا صوت أنفاس خشنة، غليظة، بصيت ورايا بخوف ورعب لقيت واحد وشه اسود وماسك سكينة، أول ما شوفت المنظر زقيته بفزع وقفلت الباب عليا انا والبنت، ومن ورا الباب سمعت خبط هيستيري وكأنه عاوز يكسر الباب ويدخلي بالعافية، قفلت الباب بجسمي وانا اعصابي متدمرة، وإذ فجأة البنت تبدأ تضحك ضحك هيستيري وكأنها بتستلذ بشكلي المرعوب ده، وقتها بس ظهرت ملامحها، عيون سودة زي الليل ووجه متفحم زي الراجل اللي برة.
وبدأت اشهق من الرعب، لو فتحت هتقتل، ولو فضلت هنا مع البنت هموت من الرعب، خاصةً ان صوت ضحكها كان بيزيد بطريقة عجيبة، وقعت في الأرض وانا ببكي زي العيل الصغير وبنادي على ابويا يلحقني..
كل ده والباب هيتخلع من مكانه خلاص وانا مش قادر أقاوم اكتر من كدا، لحظات وسمعت صياح ابويا جوة الحمام وهو بينادي عليا، فتحت الباب وانا مرعوب عليه أحسن يتأذي لقيته مسكني بقسوة وشدني برة الحمام كله وقفل الباب العمومي عليه من جوة، صرخت، صرخت وبدأت اضرب الباب بكل قوتي وبهيستريا شديدة لحد ما اتكسر، وعلى أرضية الحمام لقيت ابويا مرمي في الأرض وعمال يرجع وفيه مادة بيضا بتنزل منه..
سحبته بسرعة وخرجنا من المكان وانا بتنفض، مسكت التلفون اكلم حد يجيب عربية ويلحقنا بس ابويا منعني وشدني من راسي وهو مرمي في الأرض عشان يتكلم، كان بيموت والمادة البيضا عمالة تنزل باستمرار ومع ذلك كان عاوز يتكلم..
وبالعافية بدأ يتكلم، قالي انه من زمان اوي باع ضميره، وكان بياخد فلوس مقابل ان ولد يجيب بنت ويدخلوا الجنينة يعملوا الحرام في المستخبي بالليل، وهو كان بيسهل الموضوع ده لأي حد طالما هيقبض، بل وعمل تسعيرة للموضوع ده، وكان احسن مكان للزباين الحمام اياه، يدخلهم بالليل وياخد الفلوس ويقفل عليهم ولا من شاف ولا من دري..
لحد ما جه شاب في يوم معاه بنت جميلة اوي، وابويا كان شارب ومتسلطن، ومن كتر تفكيره قرر يشارك الشاب لأن مشهد البنت مفارقش خياله، ودخل عليهم الحمام وهو معتقد ان الشاب هيتخض ويهرب ويسيب البنت لابويا يستمتع بيها، بس الواد دافع عنها وضرب ابويا علقة موت، وملقاش ابويا حل غير انه يطلع الخنجر اللي معاه ويقتله، ولما البنت بدأت تصرخ بأعلى صوت قتلها هي كمان..
وملقاش حل غير انه يدفن الجثتين في خزان المية القديم اللي ورا الحمام، وبدأت تحصل احداث مخيفة كل شوية خلت الكل مع الوقت يهجر الحمام تماما، وابويا مسكته لعنة ومبقاش قادر يسيب الشغل اطلاقا وكأنه بقا مربوط بسلاسل بالمكان..
بس حد من اصحابه طمنه طول ما هو برة الحمام مش هيتأذي، انما لو دخل جوة هيتأذي، وفضل سنين بعيد عن الحمام، ومع ذلك مكمل في الشغلانة بس بقا بيفضي اماكن غير الحمام للزباين، لحد ما انهاردة بس شاف في نومه اني جوة وحاجة بتقوله ابنك او انت، وجه يفديني بروحه وخرجني، ومسافة ما كمل الحكاية لفط أنفاسه الأخيرة بعد سنين طويلة من جريمته..
وبكيت، بكيت كتير اوي اوي، وعرفت انا ليه بسقط في الكلية، وليه ابويا متسلسل في المكان، وليه أمي مريضة سرطان من سنين، دي لعنة المال الحرام، المال الحرام اللي بينزل بالخراب على صاحبه ويخليك تقتل وتسرق وتعمل كل المحرمات، وفي النهاية خراب في الدنيا وعذاب جهنم في الآخرة..
فكرني باللي بيقبل رشوة، واللي مبيعملش شغله غير بالفلوس، واللي بياكل مال اليتامى، واللي فلوس شغله من حرام، كلهم هيبقوا زي ابويا، كلهم هتتخرب بيوتهم بسبب الفلوس الحرام، هيتلعنوا في الدنيا بيها، وهيدوقوا النار في الآخرة إن لم يتوبوا منها..
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾ [النساء: 29، 30].

تابعونا على  صفحتنا الفيس  بك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى