قصص

هــــا تـــف الــمـــوت…..هــــا تـــف الــمـــوت

بقلم: أحمد محمود شرقاوي.

بعد موت أمي بعشر ليالي صحيت في نص الليل على رنة موبايلي، ولما بصيت فيه لقيت رقم أمي هو اللي بيرن، جسمي كله اتنفض والنوم كله طار من عنيا، حطيت الموبايل على ودني ورديت على المكالمة، مفيش أي صوت، مجرد صمت تام، ولقيت نفسي وأنا بترعش ولساني معقود بقول بصوت هامس (أمي) وقتها سمعت صوت جاي من بعيد اوي، صوت بيقول (بغرق أنا بغرق)..
وقفلت المكالمة، قعدت على السرير وفضلت أفكر بخوف لحد ما نمت، نمت في لحظة وكأني كنت متخدرة، ولما صحيت الصبح أول حاجة عملتها إني بصيت في سِجل المكالمات، مفيش مكالمة متسجلة باسم أمي، معقولة كان حِلم، وهل فيه حِلم واقعي وبالطريقة دي، تجاهلت الموضوع وقررت أطلع صدقة لأمي وأكمل حياتي وأشوف مشاكلي الكبيرة مع خالي اللي واضح أوي إنه هياكل وِرثنا في حِتة الأرض وأنا مليش أي حد أنا وأختي الصغيرة..
فعلًا لبست هدومي وروحتله، وكالعادة بدأ يقولي إن محدش عايز يشتري الأرض وإن أمي خدت نصيبها قبل ما تموت وكلام كتير أنا واثقة تمامًا إنه كذب، لحد ما صوتي علي عليه وقرر ياخدها حِجة وقالي إن مليش حاجة وإن جيت هنا تاني هيضربني..
ورجعت الشقة مقهورة أوي، حاسة بخوف غير طبيعي، الدنيا قدامي سودة، بنت عندها ٢٠ سنة ومعاها أخت صغيرة ملهمش أي حد في الدنيا، وحتى خالهم عايز ياكل حقهم في حتة الأرض اللي ممكن تأمن مستقبلهم، وفي الليلة التانية اتكرر نفس الموضوع، رنة من تليفون أمي، واسمع صوت بيقول (أنا بغرق) وتنتهي المكالمة، ولسبب غريب مرة تانية أنام ولما أصحى مفيش أي مكالمات متسجلة، بس المرة دي عملت حاجة عشان أتأكد هو حلم ولا حقيقة، بعد ما قفلت المكالمة كتبت على ايدي، والكتابة موجودة متمسحتش..
فتحت الدولاب ولقيت موبايل أمي مكانه ومقفول من يوم وفاتها، وقررت تاني يوم أركز في المشكلة الكبيرة، وخدت حد قريبنا من بعيد وروحت لخالي مرة تانية، بس المرة دي كان متعصب وأتهم أمي إنها سرقته، وقال عليا قليلة الأدب وكان هيضربني لولا إن الناس مسكوه، وهددني لو روحتله تاني هيموتني..

ورجعت، رجعت ببكي زي الطفلة ومش عارفة أروح فين، وملقتش غير قبر أمي، جريت عليها وفضلت أبكي قدام القبر، بنادي عليها وبترجاها ترجع معايا، مكنتش أعرف إن الدنيا قاسية للدرجة دي، بس لما هديت لاحظت حاجة غريبة أوي، الأرض حولين الكام مقبرة رطبة أوي وفيه مية، فضلت أتتبع خط سير المية لحد ما لقيت مية كتير متجمعة وبتتحرك كمان، مية ممكن بسهولة تنزل تغرق القبر ده إن مكنتش غرقت القبر من جوة فعلًا، بصيت على القبر اللي جمب قبر أمي، لقيت مكتوب عليه (الحاج حسن حرير العدوي)..

هــــا تـــف الــمـــوت…..هــــا تـــف الــمـــوت
واتحركت فورًا ناحية بيتهم، أنا عارفاهم كويس، قابلت أخوه الصغير وحكيتله إن المقابر متغرقة مية، استغرب كلامي وطلب مني أروح وهو هيتصرف، وفعلًا بالليل جه وخبط علينا وشكرني وقالي إن ماسورة من اللي في الأرض اللي جمب المقابر ضربت وكانت هتغرق المقابر لولا إننا لحقناها وده كله بعد رحمة ربنا بسببي، وطلب مني لو احتجت أي حاجة أطلبها منه، راجل غريب بس أرحم من خالي ألف مرة، شكرته ودخلت أنام جمب أختي الصغيرة..
الغريب إن الحلم اختفى لمدة ليلتين، وبقا شُغلي الشاغل كله إني أخد حقي من خالي، لأن كلها أيام ومش هلاقي جنيه واحد في البيت، وفي الليلة التالتة رن الموبايل، واتكرر نفس الموضَوع، بس اللي اتغير إن المكالمة كل ما كانت بتفصل كان الموبايل بيرن تاني، لدرجة إني بقيت مش قادرة أتحرك من الخوف، وبدأت أتخيل أمي ومية المجاري مغرقة جسمها وهي في قبرها، وده اللي استحالة أسمح بيه، وزي المجنونة لبست هدومي بسرعة وجريت، بس في اللحظة دي رن الموبايل تاني برقم أمي، ولما فتحت سمعت صوتها المرة دي، سمعتها بتقول (خدي تليفونك معاكي)..
خدت التليفون اللي كنت هسيبه ونزلت في الضلمة ولمدة ١٠ دقايق لحد ما وصلت للمقابر، قبر أمي كان هو وكام قبر قليلين في أرض قريبة من مقابر البلد، جمب أرض خالي وأمي، عشان كدا كان سهل أوصل، ولما قربت من القبر سمعت صوت خبط وكلام غريب، قلبي كان هيطلع من مكانه وحاولت أتمالك نفسي بالعافية، وقربت من المكان وشوفت منظر مش مفهوم، شوفت خالي واتنين عُمال بيحفروا..
فضلت أراقبهم لحد ما عرفت من كلام خالي إنه مستعجل وعايز يوصل لمواسير المجاري عشان يكسرها وتغرق الدنيا، خالي مش بس طمع في حق أخته اللي هي أمي، ده كمان طمعان في حتة الأرض اللي فيها كام قبر، وفكر إنه لو غرقها والمجاري ضربت، الناس هينقلوا موتاهم ويقدر يشتريها من صاحبها بسعر قليل جدًا، ومش بعيد يكون اتفق معاه على كدا..
في اللحظة دي سمعت صوت أمي في ودني(خدي تليفونك معاكي) وكأنها رسالة لأني هحتاجه، صورتهم وقدرت أظهرهم في الفيديو لأن كان معاهم كشاف منور حوليهم، وجريت على بيت أخو الحاج حسن حرير، وريته الفيديو وحكيتله على كل حاجة، وخدني وروحنا المركز وبلغنا القسم، وتم استدعاء خالي واتهموه باتلاف الممتلكات العامة التعدي على حُرمة الأموات، ومن يومها مخرجش، خد ٥ سنين سجن، والمحامي اللي كان ضده رفع عليه قضية تانية ووقف معايا لحد ما خدت حقي في الأرض..
أول حاجة عملتها يومها إني طلعت ١٠ في المية صدقات من ثمن البيع بتاعنا، وطلعت زيهم صدقة على روح أمي اللي كانت حياتها كلها بتعمل كدا، ويمكن صدقاتها وأعمالها فضلوا، وبسببهم رجعلي حقي وكمان فضلت محفوظة في قبرها، وعرفت إن اللي بيتبقى للإنسان في الدنيا هو الخير والسيرة الطيبة، أمي سابت صدقات فربنا نجى ولادها ونجاها، وخالي شاب ظلم وأكل حقوق والنتيجة إن الكل بيلعنه لحد ما مات في السجن قبل خروجه بشهر، هي دي الباقيات الصالحات..

للمزيد من الأخبار يُمكنكم متابعتنا عبر صفحاتنا الرسمية على منصات التواصل الاجتماعي:

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى