مقال (أليات التناول النقدي) للناقد سيد فاروق.
كتب حنان محمد
أليات التناول النقدي
يعد التناول التناول النقدي أحد أهم الروافد الأدبية في تفسير وتحليل وإضاءة الظواهر الأدبية ذات أنه يقدم النص في المظهر اللائق للمتلقي وجمهور القراء وتعد من أهم تلك الأبيات ما يلي:
١- التفكير والمنطق
*********
إننا نعني بالتفكير هو إعمال العقل في تفسير النصوص الأدبية أي أنه التفكير النقدي Critical Thinking الذي يدلل على مقدرة الأنسان على إستخدام كل من التفكير السليم والمنطق في التعاطي مع الأفكار ووجهات النظر المختلفة وكذا المواقف الجديدة أو غير المالوفة.
كما أيضا ينطوي التفكير النقدي على رؤية الأشياء بعقل متفتح ودراسة فكرة أو مفهوم ما من زوايا عديدة، متعددة الدلالات ومثل هذه المهارة المهمة تدفع الناس إلى عدم التعويل على وجهات نظرهم الخاصة للأشياء فحسب إنما السعي لفهم وجهات نظر الآخرين، ويلجأ الناقد إلى مثل هذا النمط من التفكير في حالات الجدالات الأدبية والقضايا الفكرية المعاصرة التي يثيرها النص المنقول وهذا التفكير النقدي المتكئ على المنطق يعمل على بلورة نقاشات مقنعة ورصينة لجميع الأطراف، الكاتب والنص والناقد وجمهور القراء.
٢- الوعي المنفتح
***********
إن الوعي السليم المستند على أساس علمي المنفتح على العلوم والمعارف هو أحد الروافد والٱليات المستخدمة في التناول النقدي حيث يشكل الوعي العلمي أهمية خاصة لكونه يوفر إمكانيات جديدة في حل المشاكل كما أن عملية الإنفتاح تشكل جزءا حيويا من التفكير النقدي وتتيح للمرء الفرصة للبحث ليس عن سائر الإجابات المحتملة لمشكلة ما فحسب إنما قبول إجابة تختلف عما هو متوقع في الأصل. وعملية الوعي المتفتح تقتضي أن لا يفترض الإنسان أن طريقة تعاطيه مع موقف حياتي ما هي الأفضل على الدوام أو حتى صحيحة فالعالم على سبيل المثال ينبغي أن يتقبل فكرة أن نتائج تجربة ما تخالف التوقعات حيث أن مثل هذه النتائج تؤدي في الغالب إلى اكتشافات هائلة وذات جدوى رغم ما تتسم به من تحدي.
والجانب الآخر للوعي النقدي يتمثل في القدرة على التعاطي مع مشكلة ما أو موقف ما أو نص ما عقلانيا ومنطقيا فالعقلانية تقتضي تحليل المعلومات المعروفة بمجملها ومن ثم التوصل إلى أحكام وتحليلات تستند إلى الوقائع والبراهين وليس الإعتماد على وجهة النظر أو العاطفة.
ثم إن المنهج الصحيح للتفكير السليم يحتم على المفكر أن يقر بالأهداف والحوافز والعواطف التي ربما تميز وجهات نظره أو تفكيره. ويشتمل الوعي العقلاني على تحديد أية تحيزات أو أحكام مسبقة واستبعادها ليتسنى للمرء تبني منهجيه جديد وموضوعي أزاء تناول النصوص الأدبية.
٣- التقمص الوجداني
************
يعتمد التناول النقدي في الغالب على نظرتنا إلى الأجناس الإدبية بشكل لا يركز على الذات فحسب حيث أن التعاطف مع شخص ما يحتم على المفكر في العادة أن يحاول وضع نفسه في مكان شخص آخر. ومثل هذا الأمر يقوم به الناقد حيث يسعى جاهدا إلى تقمص الحالة النفسية لكاتب النص ومعايشة الظروف النفسية والاجتماعية المحيطة به والتي أثرت بشكل أو بآخر على تجربته الإبداعية حيث أن هذا التقمص العاطفي يسمح للناقد بربط الأحداث والملابسات بعضها ببعض مما يسمح له بالتفسير الصحيح بل واستخراج ما خفى من دلالات عصية ومفاتيح خفية لبواطن المرامي في النص ما كان التفكير النقدي أن يصل إليها دون المعايشة والتقمص الوجداني .
تجدر الإشارة إلى أن مهارات التناول النقدي الفعال مع الظواهر الأدبية المختلفة تتحسن في العادة بشكل كبير من خلال التقمص العاطفي لكاتب النص فالناقد حين يتقمص الحالة الشاعرية، بما يحيط بها من ظروف نفسية مختلف للكاتب حال كتابة النص يكون حينئذ أكثر قدرة على الكشف والاستدلال والتطبيق والاستنباط.
٤- التحليل الموضوعي
*************
يبدأ التحليل النقدي الموضوعي الفاعل في العادة من خلال قيام المفكر بتحليل المعلومات المتاحة حول موضوع النص وفكرته العامة مع بذل جهد إضافي لمعرفة المعلومات الأخرى التي يتطلبها مثل هذا الموضوع، ومثل هذه العملية تشكل معرفة أولية تخضع للدراسة والتمحيص والتفكير العقلاني كمدخلات أولية لعملية التحليل الموضوعي من خلال اطلاع الناقد على المنجزات الأدبية حول موضوع التناول ومتابعتها لكي يحدد التوجه العلمي اللازم. ومن خلال هذه الوسائل المعرفية يستطيع الناقد إكتشاف المعلومات من خلال التجريب ومن ثم يمتلك القدرة على التحليل الموضوعي لموضوع التناول.
٥- نبذ التحيز
**********
كتير ما نقرأ أصواتا نقدية تميل إلى التحيز والتعاطف الغير مبرر مع الظواهر الأدبية نتجية المجاملات البالية والمصالح الشخصية على كافة محاورها وهذا التحيز لا يخضع بشكل أو بآخر للتناول النقدي الموضوعي المستند إلى ٱليات فنية وعلمية سليمة؛
وحين يعمد المرء إلى تطبيق مثل هذه الآليات في التناول النقدي على الظواهر الأدبية والتجارب الإبداعية فإنه في الغالب يركز كثيرا على معرفة التحيزات والمفاهيم المسبقة التي يؤمن بها، والخبرات المكتسبة من القراءات والعلوم والمعارف، فهذا كله يدفع المفكر لبذل جهود كبيرة للتخلص من تلك الآراء المتحيزة أو تحاشيها، ونبذ المجاملات والشخصنة إن جاز لنا هذا التعبير بهدف التوصل إلى وجهة نظر أكثر صدقا وموضوعية إزاء التجربة الإبداعية تفسيرا وتطبيقا واستدلالا واستباطا.
وارتكازا على ما سبق
فإن الاصوات النقدية الجادة التي تتناول الظواهر الأدبية من خلال أليات التناول النقدي السابقة هم النواة التي ستبنى عليها حضارة النقد العربي التي ترتقي بالخطابات الأدبية على مختلف المحاور.
وحسبما نرى أن التناول النقدي بهذه الكيفية هو بمثابة خطوة جادة على الطريق الصحيح للتوصل إلى هوية نقدية عربية فاعلة وداعمة للمنجز الأدبي المعاصر.