ثقافة

الإدراك التفاعلى فى المجموعة القصصية “عالم يطن فى أذنى” للناقد و الشاعر أحمد زايد.

كتبت: حنان محمد.

عالم يطن في أذني

إطلالة سريعة فى دهاليز وفضاءات فى مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان للقاصة الكاتبة الأستاذة مروة مجدى التى إنتقت وتخيرت عنوانا يحمل العديد من الدلالات والمعانى العميقة وإن دل إنما يدل على إدراك وتفاعل مع أحداث جلل نتج عنها هذا الطنين الذى استنطق اقلامها ودفعها دفعا لأن تصب رؤاها ورؤيتها لما حولها على الأوراق وتبوح وتئن من هول ماتراه فى عالم تسبب لها فى هذا الطنين.

وننتقل من العنوان سريعا استجابة لهذه الإستغاثات والصرخات المدوية لنتعرف على أسبابها من خلال التطواف بقصص هذه المجموعة ومن خلال الإهداء ونحن على عتبات هذه المجموعة نعرف الأسباب واضحة جلية حيث تقول إلى عالم يزاحم أرواحنا على العيش، وكلما رفضنا فعلته يتوضأ بدمائنا أكثر، ليقيم الصلاة علينا أحياء.
متى ستكف عن مطاردتنا؟ ألم يكفك بترنا من سماء وأرض؟ أيرضيك تعايشنا هنا بالمنفى؟!

1ومن خلال هذا الإهداء نكتشف عمومية الشكوى وان شكواها لم تكن من سلوك فردى انها شكوى من عالم بأسره من بيئة تحيط بها من كل الجوانب والمؤلم والمؤسف أن الألم أصاب الروح والبدن معا لالشئ إلا لأنها رفضت فعلته فاستخدم ضدها كل أنواع القسوة التى عبرت عنها بتعبير شعرى درامى شديد الإلتهاب وراحت تصفه بأنه توضأ بدمائها هى ومن معها وأقام الصلاة عليهم أحياء.

وهنا المفارقة التى تكشفها الكاتبة كاشفة شخصية المخاطب أنه يتوضا ويصلى وهذه جريمه اخرى وقسوه أشد ثم تفضح قسوته التى لم تنتهى عند هذا الحد بل تعدت ذلك بالمطاردة فى المنفى لتزداد القسوة وتضاعف بالغربة وفقد الوطن.

ومن العنوان إلى أولى قصص المجموعة المعنونة بعنوان اندروفوبيا مع احداث جلل ادت لاصابتها بصدمه من شريحه مجتمعيه مختلفة الثقافات احدها فى محراب العلم بين زملاء الجامعة وتعرض من خلاله الكاتبة على لسان الراوى مشهد عبثى غير معتاد فى الحرم الجامعى حيث تحول المشهد العلمى الى موقعه حربيه يحكمها شريعة الغاب تحول فيها البشر الى وحوش وذئاب تريد ان تنقض على هذا الجسد الانثوى وتعبث به من جميع الجهات فتحاول الفكاك منه مسرعة الخطى ليتكرر المشهد كلاكيت للمره الثانيه فى اتوبيس.

2
ركاب لايرى ولا يشعر بشكواها ركابه لنجدتها من هذا الشاب الذى تحرش بخصرها المره تلو المره وهى تحاول الفكاك من فعلته دون جدوى وعندما توسلت بمن معها رشقوها بوابل من الاتهامات وصمتوا وتهكموا وتوجهوا اليها باللوم والتبعه لانها انثى ويجب ان تصمت وتقبل لعدم التسبب فى فضيحه الأمر الذى دفع الشاب للمزيد من التوبيخ والسباب والغريب.

والمريب أن السلبية امتدت من مجتمع الأتوبيس إلى أسرتها الأمر الذى احبطها من التعامل مع الاخر وان تفضل الصمت والاعتكاف الى أن وصلت لمرحلة الضياع بتلك الحبكة الدرامية للقصه عندما انهت الكاتبه قصتها بقولها وذات يوم لا تعيه- وجدت نفسها عارية فى فراش صديقتها…لتختم قضتها بحبكه دراميه غايه فى الروعه وما عريها التى أشارت إليه إلا عرى مجتمع ارتضى لنفسه السلبية.
وغض الطرف عن من تجاوز حدود الادب والاحترام

ومن اندروفوبيا الى قصة على الناصيه وعلى الناصيه هنا مختلفه تماما عن على الناصيه الخاص بالاذاعيه القديره امال فهمى بل هى ناصيه التقت فيها الكاتبه التى تقوم بدور الراوى بماساه جديده وشرخ مجتمعى بمثابة صداع فى راس المجتمع وهو اطفال الشوارع لتقدم لنا بطلا من
3
أبطاله فى السادسة من عمره انسلخ عنه ابواه وتركاه يتلقى ضربات موجعه من اصحاب السلوك المعوج دون وازع من ضمير ليقع فريسه للسرقه والتسول والعقاب والاذى الحسى والبدنى فترق لحاله وتحاول التقاطه من عثرته وتصطحبه معها لتجده عار من ملابسه فى نهاية القصه المفتوحة الدلالات لتوجه رسالة شديدة أن هذا العرى لم يكن لهذا الطفل الذى اجبر عليه بل هو عرى لمجتمع باسره .

ومن قصة على الناصية إلى قصة مصر شو التى تلقى الضوء على بطل القصه هذا المذيع مزدوج الشخصيه الذى اخفى شخصية الطالب النابغه خلف بكاء مصطنع ليوهم زملاءه أنه مثلهم يعانى من ضعف مستواه امام اسئلة الامتحانات التى تاتى من خارج المنهج ليفاجئهم باحتلاله المركز الاول فى صفوف الناجحين انه بطل هذه القصة،والتى بخفه ورشاقه البسته الكاتبه دور الراوى كما البسته أناقته على شاشة التليفزيون ومهدت له الحدث والخبر وقامت بدور معد البرنامج لتلقى الضوء على ماحدث على

4
أرض المحروسة من حوادث قتل واغتيال وتفجير كنائس وارهاب اراد الفتك بامن المجتمع كما لم يفوتها ان تلفت أنظارنا الى موجة ارتفاع الاسعار احد ادوات الحروب الموجهه الى مصر المحروسه .

وأرسلت الكاتبة رسالتها لشعب مصر أن يصبر ويتخذ من الصبر سدا منيعا للتصدى بقوه لهذه الحروب ولا ينساق للشائعات التى تفقده الثقه فى وطنه وفى مستقبله.

ومن قصة شو مصر الى قصة وارث:
وهى قصه بطلها عبد الوارث وماادرى تاويل حذف باقى الاسم واكتفاء الكاتبه بمفردة وارث ربما تكون عمدت الى ذلك كنايه عن انه بالفعل ورث شيئين اشارت اليها تصريحا وتلميحا فى سياق القصه وهما الفقر وعدم الجمال.

حيث قالت على لسان كل من راوه لامال ولا جمال ولم يكن ورثه لهذين الشيئين فقط بل ورث مرضا مزمنا ينخر فى قلبه المكلوم بفراق من ملات دنياه حبا وامطرته بوابل من السعاده ولم يثنيها فقره ولا شكله عن الوفاء كل الوفاءبكل حقوقه.

إلى أن اقتنصها المرض من بين أحضانه ليحيا 5حياة الموت بعدها جراء قسوة كل المحيطين به بما فيهم الصيدلى الذى اعطاه دواء مخالف لمرضه ولكنه تحمل كل  ذلك واستبشر خيرا بمساعدة بائعة الخضار التى اعطته ماتملكه من جنيهات قليله لتدير عقارب ذاكرته الى ذكريات زواجه فاستسلم لاوجاعه عسى ان يلتقى بحبيبته.

القصه الخامسه فى اطلالتى هذه هى قصة الملاعين وهذه القصة هى قصة اكتشاف الكاتب لنفسه اجتمع فيها ثلاث أصوات من اختراع الكاتب نفسه هى أصوات داخلية
يفرزها الإبداع الحقيقى لاتأتى إلا مع التحقق والمراحل الإبداعية المتوهجة تتسربل بالخوف والتوجس وهذا خوف مشروع خوف إيجابى ظاهرة مغاير لباطنه يبدو أنه يخاف من عدم نضج التجربة الإبداعيه وماهو الا وقفه مع النفس.

ومحاكمة هذا الابداع من منطلق بيدى لابيد عمر وفيه يراجع المبدع كل ماكتب وخطته يداه قبل ظهور العمل

6
الابداعى وانتقاله من يد الكاتب الى يد الجمهور والنقاد ثلاثة اصوات حقيقيه وان امتطاها الخيال وهى احد اهم ادوات نجاح الابداع تاتى اصحابها فى الصمت والظلام لتوقد مصابيح الافكار للمراجعه والحذف والاضافه والتعديل.

والى هنا اكتفى بما نلت شرف قرائته من قصص المجموعة
لعدم انسياقى ووقوعى فى براثن الاطاله خاصة وان هذه المجموعه تحظى بفرسان اللقاء من الساده اصحاب النقد الاكاديمى ولكن اسمحولى أن أشير إلى رؤيتى ورأيى وحكمى على ماقرأت حتى ولو كان حكما جزئيا.

أولا لغة الكاتبة / وهى لغه تخص الكاتبه ابتكرت تراكيبها وطعمتها بالصور الشعريه والمشاهد الدراميه اعتمادا على خبرتها ومالديها خبرة قصصية ومخزون ثقافى ثرى واذكر اولا بعض الامثله على سبيل المثال: لما تناولته من صور شعريه فى الخمس قصص التى ذكرتها فى الدراسه حيث تقول الوحو ش كاسره تتدفق من كل مكان، تمسك بسيدات عاريات بين
7
انيابها والاسود ضاريه تشبه البشر، تهرول وراءهن، واصفه تلك الشباب الجامعى وفى نفس القصه تقول وحفر النار تملا كل زاوية تبتلع كل من يحاول هربا  لا مناص من الخروج وتقول وثبت من كابوسها اليومي، لتاتى بصرخه طويلة، تشق بها حلق السكون.

وفى قصة على الناصية تقول:

قالها ليفتح بحر عينيه على مصراعيه ليغرق قلبها فى دموعه. وتقول غدا جسده كزيتونة بالية ظلت بالملح لسنوات فغدت متآكلة وتقول قست الدنيا عليه واحتلت طفولته أسوأ احتلال.

وفى قصة مصر شو تقول: يتحدث والحماس يتقافز بين شفتيه وتقول فى قصة وارث حتى الشريرحزن عليه فتفككت أجزاؤه. احتلت قلبه أزمة، وأصبحت تأتيه كصديقة وتقول ايضا
التى قبلت ان تكون شمعه تخترق عتمة ايامه فانصهرت حبا حتى ذابت.

8
وفى قصة الملاعين تقول:

عندما يشرفنى الليل بعينين كحيلتين وتضرب العتمة الغرفة، أجدنى أصارع الفراغ، وأحدق فى اللاشئ وألهث وراء أفكاري التي تتعرى أمام آمالى واحلامى أرتب البعض، أبعثر البعض، أثرثر فى أذن الصمت، وألوذ بكل شعور يختلج نفسى فأقبض عليه، وأحلله.

ومن الصور الشعريه ننتقل سريعا الى مشهدية البناء القصصى والتركيبة اللغوية فيه نجد حضور لابأس به فى الخمس قصص منها على سبيل المثال فى قصة اندرو فوبيا تقول العالم دائرة محكمة الاغلاق عليه وبهذه الجمله التى تشكل منها المشهد القصصى تحول لماساه حقيقه فبرغم اتساع العالم ضاق عليها واصبح دائره محكمة الغلق.

9وفى قصة على الناصية تقول صعقتها المفاجأة.. الولد بلا أي ملابس سوى هذا السروال المتهتك الذى لايكاد يستر له عوره لتصنع بهذه الجمله حاله من البؤس تستوجب البكاء.

وفى قصة مصر شو تقول:
فكل الأخبار غدت سوداء، قتل فلان، اغتيال علان، انفجار كنيسة، احتراق مسجد، ما عاد بالاخبار شئ يسر القلب لتصنع بجملتها هذه مشهدا دراميا متعدد الماسى تجتمع فيه مشاهد الدم والصرخات والطعنات والرعب والاتفجارات والنيران والهموم بكل انواعها.

وفى قصة وارث تقول:
يلفظ عبد الوارث أنفاسه الأخيرة وحيدا على فر ش بال لسرير يكاد يسقطهأر ضا، فمنذ وفاة زوجته “نعمة” لايجد لحياته معنى، حتى السرير حزن عليها فتفككت أجزاؤه. احتلت قلبه أزمة، وأصبحت تأتيه كصديقة لتشكل هذه التركيبة اللغوية مشهدا سوداويا تجتمع فيه
الوحدة، والمرض، والفقد، والفراش البالى، والسرير المفكك.

10
الاوصال الذى يتعاطف مع بطل القصة مكتوف الأيدى الذى يصارع الموت ويحاول التقاط الأنفاس.

ومن مشهدية البناء القصصى ننتقل الى سيكولوجية الكتابة التى دفعت الكاتب الى الإمساك بقلمه وصب معاناته على الأوراق واسوق منها مفردات الألم والصرخات الناتجه عن
الرؤيه وحكايه هذه القصص ومنها قولها وتناولها مثل هذه المفردات: ( الوحوش كاسره – الاسود ضاريه – حفر النار- الانياب – تتصبب عرقا – بلعت لسانها – شعرت بدوار من
انعدام الهواء – دقات قلبها تعلو وتهبط – خوف – صراخ ـ توبيخ – منفطرة القلب، مكلومة الروح – العرى – اللصوص ـ الأ كل من القمامة- ضرب مبرح – معارك – تفجير – قتل الخ

أدوات الكاتب المكانية والزمانية موجوده كادوات أساسية لكتاب القصه، وهى متنوعة فى قصص المجموعة ومنها:

11
الحرم الجامعى – الاتوبيس – الشارع – الشقه – المسجد -الكنيسه – شاشة التلفاز – السرير – الفراغ – العالم الاخر ـ الليل – ليلة شتاء – ثلاثة اعوام سعاد ة- طيلة الأيام الماضية
– هذا المساء – فى صباح باكر ) وهنا يلاحظ وضوح الأماكن دون الأزمنه التى تبدو مبهمه وغير صريحه.

اخيرا الرسائل والحبكة الدرامية فى القصص الخمسة التى كتبت عنها وهى رسائل لها خصوصيتها وصوتها العالى كمثل جرس الإنذار.

ففى القصة الأولى تبعث برسالة الى المجتمع تدعو إلى التحرك لمجابهة ظاهرة التحرش والقصه الثانية تلقى الضوء على أطفال الشوارع والقصة الثالثة تلقى الضوء على التطرف والارهاب وغلاء الأسعار، والقصة الرابعه تلقى الضوء معاناة الفقراء ونقص الأدوية.

وقصتها الأخيرة الخامسة تلقى الضوء على مراحل نضج وبناء الكتابة الإبداعية، وجميع القصص المشار إليها تمتعت بحبكة درامية واعية لكاتبة تعرف طريق الابداع جيدا.

تابعونا على صفحة الفيس بوك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى