قصص

لعنـة البيت….لعنـة البيت

بقلم: أحمد محمود شرقاوي

من تلت أيام حصل حريق كبير في شقتنا اللي تقريبا اتفحمت ولولا ستر ربنا كانت العمارة كلها ولعت، رجعنا من عند الدكتور انا وأمي واخويا الصغير لقينا شقتنا عبارة عن خراب في خراب والجيران منهم اللي بيبكي ومنهم اللي مُشفق على الحال اللي وصلناله في أقل من يوم..
أمي وقعت في الأرض منطقتش واخويا الصغير بدأ يعيط وانا رغم إني بنت كان لازم افتكر وصية ابويا كويس أوي، لما كان على فراش الموت وطلب مني أكون زي الراجل لحد ما اخويا يكبر ويشيل البيت، بدأت أواسيهم وانا حاسة بمرار، مرار مالوش أول من آخر، هنروح فين وهنيجي منين بعد الكارثة اللي نزلت علينا دي..
وطبعا جت الشرطة تعاين مكان الحادثة واتضح ان اخويا نسي موبايله على الشاحن وخرج معانا، بطارية الموبايل ضربت وعملت ماس كهربائي مسك في عفش البيت كله، ولولا الجيران والمطافي كان غاز الشقة ضرب والعمارة بقت في خبر كان، وبعد تفكير طويل ملقناش حل غير شقة بيت العيلة بتاعت ابويا اللي في البلد، اتصلنا بعمي وبلغناه باللي حصل وعرفناه اننا هنيجي نقعد في شقة ابويا في بيت العيلة لحد ما نشوف حل في الشقة المحروقة دي..
جمعنا اللي عرفنا نجمعه من وسط الحطام وركبنا عربية واحد جارنا حلف ليوصلنا لحد بيت جدتي، وسرحت وانا في الطريق، سرحت ودموعي مكانتش عايزة تقف..
بقالي سنين طويلة مشوفتش جدتي ولا عمي، يمكن من ١٠ سنين كاملين، وحتى لما رجعنا من الأردن ولا زورناهم ولا زارونا، ويوم موت ابويا عمي جه وقف شوية ومشي، وحتى مشوفتوش يومها، وعلى بالليل وصلنا للبلد ودخلنا في طريق زراعي طويل لحد ما وصلنا للبيت..
بيت ضخم من تلت أدوار شكله قديم على هيئة بيوت الأرياف، استقبلتنا جدتي وعمي محجوب وبنته، جدتي كانت ست عجوزة تحس ان عندها تسعين سنة، جسمها عامل زي غصن الشجرة الناشف، وحتى نظراتها كانت قاسية أوي وغريبة، وعمي كان راجل ضخم بس كان ودود ومبتسم عكس بنته أزهار اللي شكلها خلى اخويا يتنفض من الخوف..
أزهار كانت وكأنها مريضة مرض غريب، وشها كان شاحب أوي وتحت عنيها اسود بطريقة مبالغ فيها، وحتى ايديها كان فيها صباعين طايرين، كانت أقرب للعفاريت منها للبشر، سلمنا عليها بخوف ودخلنا البيت، جدتي كانت قاعدة في الدور الأرضي وعمي في الاول وشقة الدور التاني كانت هتبقا بتاعتنا..
عزموا علينا نتغدى بس كنا في غاية التعب، وطلعنا عشان نرتاح شوية، وعلى عكس المتوقع الشقة كانت نضيفة تماما وشكلها يشرح القلب، وكأنهم اول ما عرفوا نضفوا الشقة وحطوا أكل كتير في التلاجة، حسينا براحة كبيرة من فعلهم ده عكس اللي حصل من شوية وكمية القلق والريبة اللي حسيناها من شكلهم الغريب..
وبدون أي تفكير أو كلام كتير كل واحد لحق سرير ونمنا، نمنا زي اللي مشافوش النوم من سنين طويلة، بس في نص الليل ولأني نمت في الاوضة اللي في وش باب الشقة بدأت اسمع صوت خربشة على الباب وكأن حد بينحت في خشب الباب، حسيت بتوتر وخوف بس قولت ده بيت عيلة وأكيد مفيش حد هيفكر يأذينا من الأساس..
وتاني يوم الصبح لقينا الباب بيخبط ولقينا شاب واقف مبتسم، كان عمر ابن عمي محجوب، اعتذر لأنه كان سهران في الشغل ومعرفش يرحب بينا، وفضل يلعب مع اخويا ويهزر معاه ومسابناش غير لما ضحكنا وحسينا بالألفة في وجوده، كان شاب في أواخر العشرينات تقريبا..
وفي النهاية نزل وقضينا يومنا في الشقة وبدأنا نفكر هنعمل ايه في اللي جاي، وعلى المغرب نزلنا اتغدينا واتكلمنا كتير رغم إن كان فيه تحفظ كبير في الكلام من جدتي وأزهار اللي شكلها لسة بيخلي جسمي يترعش..
وطلعنا شقتنا عشان ننام، وفي نص الليل اتكرر نفس الموضوع، صوت الخربشة إياه، بس الغريب اني بدأت أسمع صوت شهقات جاية من على السلم، وكأن حد بيطلع في الروح قدام باب الشقة، شعر جسمي وقف وحسيت بقشعريرة بتجري في جسمي..
فكرت أصحي أمي بس حسيت ان الموضوع ساذج، يمكن قطة او أي حاجة، فتحت الباب بشويش وملقتش قدام الباب غير ضلمة، ضلمة وصوت حد بيتنفس على السلم، فتحت نور السلم بشويش وانا خايفة عشان أشوفها، أزهار، كانت واقفة على السلم على ايديها ورجليها ورقبتها ملوية بطريقة مُخيفة وعمالة تطلع أصوات غريبة منها..
مسافة ما شوفت المنظر بدأت أصرخ بأعلى صوت، طلعت تجري على أربعة على تحت وخرجت أمي تجري عليا، وقفت قدامها بترعش ومكنتش قادرة أنطق بنص كلمة قدامها ولا اتكلم، ومسافة ما أمي فتحت نور الصالة بدأت في الصراخ من جديد..
كان مكتوب بالدم على الحيطة بخط كبير أوي
“الموت- الدم”
في الوقت ده عمي كان طلع وجدتي وراه وحاولوا يستفهموا عن سبب صراخي، بس نظراتهم كانت مُريبة، وكأنهم فاهمين انا بصرخ ليه، في الوقت ده بدأ صوت الحشرجة يجي من تحت تاني، وقتها عمي طبطب عليا وقالي:
– بنت عمك تعبانة شوية معلش استحمليها
وطلبوا مننا ندخل ننام وبعدها يحلها ربنا بكرة، بس طبعا مقدرتش انام، مقدرتش إطلاقا، وفضلنا صاحيين لحد الصبح، ومسافة ما الشمس طلعت مسحنا الدم من على الحيط، وفطرنا بدون نِفس، وعدى اليوم والكل تحاشى الكلام إطلاقا في الموضوع حتى انا..
وبالليل امي قالت انها هتبات معايا بس انا رفضت وقولتلها مش هنفتح باب الشقة وخلاص، بس الموضوع للأسف تخطى باب الشقة، حسيت في نص الليل بباب الاوضة بيتفتح بشويش، اتجمدت مكاني ودعيت ربنا تكون أمي او اخويا، بس الباب كان بيتفتح بشويش، وبطريقة غريبة أوي اوي..
فضلت أراقب الباب، لحد ما شوفتها، ماشية على أربع، وبتزوم زي الحيوان، وقتها بس قلبي كان خلاص هيقف من الرعب، وبدأت اصرخ من جديد، ولاقيت امي بتصرخ بخوف من الاوضة التانية، وجريت بنت عمي واختفت تماما، وخرجنا للصالة عشان نلاقي نفس الكلام المكتوب بالدم..
وقتها نزلنا لعمي وجدتي، كنت مرعوبة، وحلفت عليهم يفهموني ايه اللي بيحصل، وقتها شوفت دموع في عيون عمي، وجدتي بدأت تحكي..
قالت ان الأرض اللي اتبنى عليها البيت كانت في الأصل مقبرة قديمة اوي كان الانجليز بيحطوا فيها الناس اللي بيقتلوهم، ولما اتهدت وجدها اشترى الأرض مبناش عليها لأنها كانت أرض ملعونة، وفيها مشاكل كتير، لحد ما جوزها بنى عليها واتحدى الكل، ومن يومها والمصايب بتحصل، أي حد جديد بيجي البيت لازم يتأذي، وكل طفل بيتولد مسافة ما بيبلغ بيحصله زي أزهار كدا ومبيتعافاش غير لما حد تاني يبلغ في البيت أو يسكن فيه..
وبكدا اللعنة هتتنقل ليا من أزهار وبعدها لاخويا، ومفيش أي حلول اطلاقا غير الهروب من البيت لأنهم اتعودوا وخلاص، أمي سمعت الكلام وبدأت تترعش وقالت مش هنقعد هنا يوم تاني، جدتي خدتها وقالتلها بيعي شقة جوزك لابني وجددوا بتمنها شقتكم اللي اتحرقت وانجي ببناتك..
وفعلا عمي اشترى الشقة ورجعنا شقتنا وبدأنا نجدد فيها شوية بشوية، لحد ما نوعا ما ظبطناها بس الفلوس خلصت ومعرفناش نجيب غير كنبة نقعد عليها..
وبعد اسبوع كامل من العناء جالنا خبر ان عمر ابن عمي محجوب مات في حادثة واتحرق بيه الميكروباص، روحنا نجري ولقينا أبوه في حالة انهيار عظيمة، والغريب ان أزهار كانت ايديها سليمة ووشها مش شاحب ولا حاجة..
وبكل دموع الدنيا لقينا عمي جايب ١٥٠ الف واداهم لأمي وطلب منها السماح، وحكى عن كل حاجة بالتفصيل، حكى واحنا في قمة الذهول..
عمي بعد موت ابويا كان طمعان في الشقة عشان يجوز فيها ابنه، ومعرفش ياخد حق ولا باطل مع ابويا ايام حياته، ولما مات عمل خطة جهنمية، حرق شقتنا في غيابنا، وكان عارف اننا هنيجي لحد عنده، ورسم علينا ان البت ملبوسة وكان معاه مفتاح الشقة بيطلع يكتب بالدم ويخوفنا وبنته تمثل انها ملبوسة بشوية ميكاب وجوانتي بصباعين، وجدتي كانت في صفه لأنها مبتحبناش لأننا في نظرها ولاد الابن العاق اللي سافر وسابها..
وبعد خوفنا الكبير امي اضطرت تبيع بالسعر اللي قال بيه عمي يومها، الشقة كلها ب٥٠ الف، ونجحت خطة عمي عشان يجوز ابنه، بس يشاء ربك ابنه يموت بعد اسبوع واحد من خروجنا من شقته وبعد خطوبته بيوم، وقبل ما يطلع في الروح قال لعمي ادي مرات عمي حقها عشان أموت مرتاح..
ورجع عمي ادانا ١٥٠ الف كمان، ٥٠ تعويض عن حرق الشقة، و١٠٠ الف باقي تمن الشقة اللي تعمل ١٥٠ الف مش ٥٠ بس…
رجعنا واحنا بنبكي من رحمة ربنا بينا، رحمته اللي تمثلت في حرق الشقة عشان حقنا ميتاخدش، وعشان الشيطان اللي كان بيحاول ياكل حقنا، جددنا الشقة بالكامل واتبقت معانا فلوس قدرنا منها نعيش، وكل اللي طلبته من أمي تسامحهم لوجه الله، كفاية عقاب ربنا ليهم في الدنيا، كفاية أوي..
“وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا”

 

تابعونا على صفحة الفيس بوك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى