فيه قصة ذكر الإمام أحمد بن حنبل في كتاب من كُتبه إنه كل ما بيقرأها لازم يبكي بكاء شديد ويتأثر بيها جدًا، والحقيقة إن القصة مؤثرة وفيها كم كبير من العِبر وأنا جاي انهاردة أحكيهالك..
سنة ٩ هجريًا وتحديدًا بعد معركة مؤتة بسنة واللي مات فيها تلاتة من أعظم قادة الإسلام وهم زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة ومع كثرة المناوشات من الروم على حدود الدولة الإسلامية قرر الرسول يجهز جيش عظيم بكل ما معه من إمكانيات والخروج لملاقاة جيش الروم، منها تأمين للحدود ومنها تحدي واضح وصريح إنك بقيت قوي وليك مكانة وأرض وحدود ومش هتسمح أبدًا لحد إنه يعتدي عليها..
واستنفر الرسول كل الصحابة، وكل أهل المدينة، بل وكل قبائل العرب لتجهيز الجيش اللي كان محتاج ثروة كبيرة جدًا، وبدأ سباق جبار، أبو بكر طلع ماله كله، عمر طلع نصف ماله، عثمان طلع حوالي ٤٠٠ راحلة ودفع ثروة رهيبة لتجهيز الجيش، الفقير اللي في بيته صاع من تمر كان بيجيبه للرسول، واللي مكنش عنده راحلة تشيله كان بيرجع باكي من عند الرسول لأن مفيش حاجة تحمله للحرب، سباق عظيم بينهم عشان ياخدوا الأجر، ورغم كدا كان التجهيز صعب جدًا لدرجة إن مسمى الجيش وقتها كان اسمه جيش العُسرى، لأن تجهيزه مكنش سهل أبدًا رغم توافد كتير من قبائل العرب للدعم بالرجال والفلوس..
ووسط الملحمة والسبق ده كان فيه راجل من الأنصار اسمه (كعب بن مالك) كعب في الوقت ده كان فارس قوي الجسمان، ميسور الحال، وفي الوقت ده تحديدًا كان عنده راحلتين، وبيقول إنه ما اجتمعش في داره راحلتين طول عمره إلا في الوقت ده، كناية عن إنه كان مستقر ماديًا وجسمانيًا وقتها، وفضل يفكر ويفكر، الفترة دي كانت حر شديد وكأنها جهنم على الارض، والسفر بعيد جدًا، مسيرة طويلة أوي، والعدو أكبر امبراطورية على الارض،. فضل يسوف ويتأخر لحد ما تجهز الجيش وخرج الرسول بالجيش ومخرجش معاهم كعب وقال هيبقا يلحق بالجيش..
بس الكسل والشيطان تملكوا من كعب، وفضل وسط بساتين المدينة وقرر ميخرجش في حر الصحراء، وعدت الأيام وبدأ كعب يلوم نفسه، كان بيمشي في المدينة الفاضية من الرسول وأصحابه ميلاقيش غير العجزة والفقراء والناس المشهور عنهم النفاق، غير كدا فالباقي كله خرج مع الرسول، طيب هو ليه مخرجش، وازاي يسمح إنه يتساوى بالمنافقين والعجزة وكبار السِن، وفضل يلوم نفسه لحد ما الرسول انتصر في الغزوة دي بدون حرب، ربك أنزل الرعب في قلوب ٤٠ ألف مقاتل رومي وهربوا من قدام جيش الرسول اللي اقام أيام وأثبت قوته ورجع للمدينة في النهاية، الرسول في الوقت ده سأل عن كعب وفضل يترقب إنه يلحق بيهم بس محصلش..
ورجع الرسول وكان معتاد يرجع على المسجد أولًا يصلي ويستقبل أصحابه، وتوافد الناس عليه اللي مخرجوش معاه، وكل واحد معاه عُذر وأغلبهم أهل نفاق، اللي يقول عيالي، واللي يقول كنت تعبان، والرسول كان بيستغفر ليهم ويترك أمرهم لله، لكن كعب فكر، وقال هروح كمان أكذب على الرسول واتحجج، لا أنا هقوله الحقيقة واللي يحصل يحصل..
ودخل على الرسول وعنيه في الارض، خجلان وحزين ومهموم، وقال للرسول أنا الفترة دي عندي راحلتين ومستقر ومعافى جسديًا، وخايف أكذب عليك وانجو من الموقف ده بس ربنا يسخط عليا، رغم إني أوتيت جدلًا، يعني شخص متكلم وبعرف أبرر أي موقف، وسهل أخرج من الموقف ده وأقول أي عذر، بس أنا مكنش عندي حاجة تمنعني من الخروج..
وقتها بص له الرسول ﷺ وقاله (صدقت، أذهب حتى يحكم الله في أمرك)
وخرج كعب وبعض الناس لاموه لوم شديد، ازاي تقول كدا على نفسك، كنت بررت وخلاص ما كل الناس قالوا أعذار، وفضلوا يلوموه لدرجة إنه كان هيرجع للرسول يتحجج بأي عذر من كتر لوم الناس عليه وطبعًا كان منهم منافقين، ولكنه سأل إن كان حد قال زي ما هو قال، فقالوله فيه اتنين بس قالوا الكلام ده وهما مرارة بن ربيعة العامري، وهلال بن أمية الواقفي، ولما عرف إن الاتنين مشهور عنهم الصلاح وشهدوا غزوة بدر عرف إنه عمل الصح وقرر يصبر..
ونزل أمر رسول الله الصعب، أمر كل الناس يقاطعوا التلاتة بما فيهم كعب، وبقا كعب يخرج يصلي ويلف في الأسواق ومحدش بيكلمه أبدًا، يقرب من الرسول ﷺ بعد الصلاة ويسلم عليه، ويبص على شفتي الرسول ويقول في نفسه هما اتحركوا ورد عليا ولا لا، محدش بيكلمه، بيبص ناحية أي حد بيعرض عنه..
كعب بيقول إنه وقتها حس إنه غريب لدرجة إن الطرق بقت غريبة عليه، بقا تايه، وكأنه في كابوس رهيب، لدرجة إنه اعتزل بيته هو والاتنين التانيين، ودار صراع رهيب جواه، أنا كدا منافق، الرسول ﷺ قاطعني، أنا هدخل النار، أنا مبحبش الرسول، وضاقت عليه نفسه واتخنق بدرجة رهيبة، وكان الموت عنده أهون من الإحساس ده..
وخرج ليلتها وتسلق جدار بيت قريب منه، وده كان بيت أبي قتادة ابن عمه وأكتر راجل بيحبه، وبص كعب ناحية أبي قتادة وقاله (استحلفك بالله هل تعلم إني أحب الله ورسوله) فتجاهله أبي قتادة، فكررها تاني وتالت لحد ما رد عليه وقال (الله ورسوله أعلم) فشعر وقتها كعب وكأنه اتضرب بخنجر وفضل يبكي بكاء مرير ورجع لبيته، حتى صاحب عمره مشهدش إنه راجل صالح، وزاد الشك جواه وزاد قهره لدرجة إن الدنيا كلها أسودت قدامه..
ويجي بلاء أكبر وأكبر لما ملك غسان يبعت رسالة لكعب يقوله فيها إنه عارف إن الرسول ﷺ قاطعه هو والناس اللي تخلفوا عن الغزوة، ولو جاله هيواسيه ويقيم معاه في مملكته، وهنا شعر كعب إن الدنيا كلها بتحاربه، ملك كا-فر بيفتنه في دينه كمان وفي أكتر وقت محتاج فيه أي دعم، كلمة حتى، وحرق الرسالة وزاد بكاءه ونحيبه، كل حاجة سودة، كل حاجة قاسية، حتى إن أمر الرسول ﷺ وصل لزوجته وزوجات الاتنين التانيين، مفيش واحدة منهم تقرب من زوجها، يعني كعب محدش بيكلمه، زوجته قاطعته، بقا مفتون في دينه، وحاسس إن ربنا ورسوله ساخطين عليه..
وفضل ٥٠ يوم في معاناة، ٥٠ يوم عدوا عليه كأنهم ٥٠ سنة، وفي ليلة وبعد دعوات وبكاء شديد وكسرة نِفس ووجع وضيق وظلام، كان كعب بيصلي الفجر على سطح البيت، وفجأة سمع صوت رهيب جاي من بعيد وتحديدًا من فوق الجبل، المدينة كلها ضلمة وصمت، وصدى الصوت بيتردد في كل مكان، صوت رهيب بيقول
(ياااااا كعب بن مالك أبشرررررر)
ووقع كعب من طوله وانهار من البكاء وفضل يبكي ويسجد شكر لله، وفجأة لمح فرس جاي بيرمح من بعيد والفارس اللي عليه بيبشره إن الرسول ﷺ قال إن الله تاب عليه وعلى الاتنين التانيين، كعب من فرحته قلع ثوبه واداه للراجل من الفرحة ومكنش عنده غيره، واستعار ثوب تاني وجري ناحية المسجد..
وهناك كان يوم عيد بالنسبة لكعب، أفواج من الناس بيحضنوه وبيكبروا وبيهنوه، الكل فرحان، وكعب مذهول، مش مصدق نفسه، كلهم فرحانين، بيحضنوه بعد ٥٠ يوم محدش بيبص ناحيته، ايه اللي حصل طيب الرسول شاف رؤية ولا جاله وحي، لا يا كعب أنت عصيت ربنا اه ومخرجتش للغزوة بس صبرك على البلاء العظيم ده وتوبتك الشديدة خلت ينزل فيك قرآن هيُتلى ليوم الدين، ونزل قول الله سبحانه وتعالى:
(وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) سورة التوبة
تخيل ربنا نفسه بيشهد إن ضاقت عليهم الأرض، وضاقت عليهم أنفسهم، تخيل كم الكرب والغم اللي كانوا فيه عامل ازاي، تخيل الفتنة والبلاء، ومع الثبات والتوبة والصبر يجي الفرج في لحظة، مراته ترجعله، الناس يصالحوه، يتبشر بالتوبة من الله وينزل فيه قرآن من عند الله، صدق الإمام أحمد لما قال إنها قصة تبكي العين، قصة تعلمك إن الصدق منجاة رغم إن أجره متأخر وإن الكذب مهلكة ولو استفدت منه في وقتها، وإن ربك بيتوب ع العبد بس بيبتليك عشان يشوف صبرك، هتصبر وتاخد أجر عظيم، ولا هتسخط ومش هتاخد حاجة..
تابعونا على صفحتنا على الفيس بوك