في قصة “نجمٌ غارب”، حاولت أن أرصد مشاعر امرأة تقع في الحب دون مقدمات، فترتبك وتتوتر وتندهش.. “منذ رأيتك لا أستطيع السير في الطريق. أرى الأشياء بالمقلوب.. السيارات تسير على ظهرها، والسائرون يمضون منزلقين على رؤوسهم. البنايات العالية تستقر على قممها المدببة. أغمض عيني خوفًا أن يندلق سكانها من النوافذ. أنت الوحيد الذي أراه معتدلًا. آلمتني عيناي والتهبت أذناي. تحولت خصلات شعري إلى إبر تَخِزُني. أخشى الوقوع أثناء سيري. كيف يحدث هذا بسببك وأنت لم تفعل شيئًا؟ ليتك فعلت”
يخايلها مشهد لقائها الأول معه.. فتتذكر دهشتها..
أنتظر أن تبدأ. جئتَ مسرعًا ووقفتَ
تقفُ أمامى مُسمَّرًا. أنتظر أن تبدأ. جئتَ مسرعًا ووقفتَ أمامي. مددتَ يدًا دافئة. لم تكد تلمس كفي حتى سحبتَها كالملدوغ. ماذا بك؟ خلاياي تتململ داخل جسدي.. تكاد ترتعش. وأخيرًا جلستَ قبالتي. أرى جانب وجهك. تلتفت لتحدثني فأرى وجهك بكامل بهائه يشع نحوي بدفء عجيب”
هذه المرأة مرت بتجربة زواج فاشلة
هذه المرأة مرت بتجربة زواج فاشلة دامت لسبع سنوات، وصممت على الانفصال لتعيش وحيدة في سلام.. لكنها الأقدار.. “على باب المكتب الواسع رأيتك لأول مرة. تُحَدِّث مديرة المكتب بصوت خفيض. لم أسمع كلامك.. لكن إشارات يديك جذبتني. لمعة عينيك شدتني، وطولك جعلك تنحني قليلاً لتسمعك. لو كلَّمتَني لانحنيتَ أكثر. عندما خطر ببالى ذلك اجتاجتني رعدة شديدة. كدت أُعنِّف نفسي لكني تخاذلت. مددتُ يدي لأضم أطراف الثوب على صدري فازدادت رعشتي. يا الله. رأيت نفسي منصوبة كتمثال في ردهة أحد المتاحف.. فجررت قدميّ وجلست إلى مكتبي مأخوذهتمنيت أن ينتهي الموقف وتذهب لحالك. تذكرت مشهدًا عاطفيًا فارتعشت مدامعي. قررت أن أنهي الأمر فأخذت حقيبتي متجهة إلى الحمام. قبل أن أصل إلى الباب طلبت مني المديرة حل مشكلتك.. يا داهية
قررت الإدارة أن تكلفها بإتمام معاملته
قررت الإدارة أن تكلفها بإتمام معاملته، فتقع في حيرة شديدة، وتتمزق بين ضرورة إنهائها، ورغبتها في تعطيل الأوراق لتحظى برؤيته مرات.. “عدت من الحمام فرأيتك تجلس على مقعد أمام مكتبي في سكون. بحثت عن صوتي حتى وجدته مختفيًا وراء أسناني. همستُ: تحت أمرك. تحدثتَ شارحًا مشكلتك وأنا أتأمل ملامحك. بعد دقائق اكتشفت أننى أحدق فى وجهك وأسمع صوتك دون أن أتبين كلماتك أو أعرف مشكلتك. لعلك أدركت قلة تركيزي فأخرجت من جيبك ورقة مطوية وقدمتها لي. لمحتُ على وجهك ابتسامة ترحيب. ارتبكتُ وأنا أفرد الورقة. دق قلبي بقوة. خفت أن يكون توقيعي فيه حل لمشكلتك. هدأتُ قليلاً عندما أدركتُ أن الحل يقتضي استخراج وثائق من دفاتر القيد النائمة في الأرشيف. يبدو أنني تنهدت في ارتياح أثار عجبك فأغرقني الخجل”
المرات التي واظب فيها على الحضور لإتمام معاملته
في المرات التي واظب فيها على الحضور لإتمام معاملته، لم تتوقف عن التفكير في الرجل.. “أسأل نفسي كلما خلوتُ إليها: ماذا يميزك؟ هل هو قوامك النحيف أو شعرك المفروق من اليمين؟ أو وجهك المثلث وشفتاك المزمومتان وذقنك المسحوبة باستدارة محكمة؟ أو لمعة عينيك وابتسامتك المخنوقة الساحرة؟ أو صوتك العميق الآتي من بئر بعيدة الغور؟ أو الحيرة التي تتبدى على وجهك عندما يسقط شعاع نظرتك على وجهي؟ آه.. كأنك تصوِّب نظرتك بدقة لتستقر في عمق دماغي، فأتمنى أن أستولي على شعاعك القاطع وأغرسه في جوانحي.”
ادركتْ أنها وقعت في حبه
أدركتْ أنها وقعت في حبه.. فتهذي باحثة عن الأسباب.. “ماذا دهاني يا حبيبي؟ ماذا قلت.. حبيبي؟! كيف أسمح لنفسي؟ هل أصابني الخبل؟ هل لأني وحيدة؟ هذه الكلمة “حبيبي” لم تخطر على بالي من زمان. نطقتُها فذابت في فمي كأنها قطعة حلوى. شعرت بدوخة لم تهاجمني من قبل. حمدت الله أني كنت جالسة فلم أقع. غامت عيناي ثم هطلت الدموع. لا.. ليس هكذا يكون الحب. لا أصدق. ما أكثر المواقف التي مرت بي ولم أصدقها! ثم اعترفتُ بها صاغرة. لكن هذه.. كيف؟
هل هي صاعقة؟ الصاعقة تنقض فتقتل
هل هي صاعقة؟ الصاعقة تنقض فتقتل.. لكن هذه تُنبتُ الورد والعبير والرعشة والدموع.. وُتقصِي الخوف والتردد والعيب والخضوع. هي ليست صاعقة.. إنها.. إنها.. غيامة حبلى بالمطر والحنان والرقة والأحلام النابتة من ركام الذكريات المطموسة في قاع رأسي المشوش”
وينساب تيار الذكريات الأليمة لزواجها الفاشل.. “ترملتُ مبكرًا. لم يمت ذلك الذى كان.. صرفته من حياتي بعد معركة استمرت سبعة أعوام. نسيته ونسيت شقائي معه. تفرغت لأمي وعملي. مشيت على شريط رفيع من حرير. أنظر أمامي دون أن أميز أحدًا. أرى الوجوه فلا يعلق أيها برأسي. تتوالى الأسماء فلا أحفظ منها اسمًا.
اكتفيت بدائرتي الصغيرة
اكتفيت بدائرتي الصغيرة. كدتُ أضع في شعري فيونكة ملونة إعلانًا عن رجوعي الطوْعي للطفولة، بعيدًا عن شهوات الكبار وصغائرهم. ختمتُ على قلبي بخاتم “مغلق للإصلاح”. لكنك في غفلة مني أطلقت نظرتك النافذة لتتحول إلى قبضة عاتية.. تمزق مغاليق قلبي. آه من هذه القسوة الرحيمة.. التي فتحت نوافذي لأشرب من بهاء مُحيَّاك وحلاوة ابتسامتك وضياء رجولتك وفيض مدامعي”
استولى الرجل على قلبها
استولى الرجل على قلبها، ولم تقدر على كتمان مشاعرها نحوه.. “جلس أمامي ثلاث مرات فقط.. لكنه أدخلني شرنقته وأحاطني بخيوطه الحريرية المتينة. استسلمتُ لملمسها الناعم الدافيء واستكانت خلايا جسدي لعطر وجوده بالقرب مني”
لكن الأقدار التي وضعته في طريقها، هي التي جعلتها تكتشف المفاجأة، التي لم تخطر لها بال، إذ همت أن تفتح معه حديثًا شخصيًا.. “جاءني فى المرة الأخيرة لتنتهي المعاملة بتوقيعي على الشهادة الرسمية.. واعتماد المديرة وختم النسر. رأيته قادمًا فاهتز جسدي برعشة آسرة.
بحثت عن كلمات الترحيب
بحثت عن كلمات الترحيب فلم أعثر على أي مفردة تفي بالغرض. فاجأني بابتسامة حانية. شكرني على تعبي معه. كنت أفكر في حيلة تعطل استخراج الشهادة لأحظى بلقاء آخر. لم تطاوعني نفسي في تعطيله. فكرت في استدراجه ليحدثني عن نفسه، وأشجعه على أن يلتقيني خارج المبنى الذي لن أحتمل كآبته بعد أن يمضي. أخذت أطرقع أصابعي. لحظ توتري فسألني هامسًا: مالك؟ قلت في خفوت: متعبة قليلًا. قال بلهجته الحانية: ألف سلامة عليك. فاجأتني دموعي.. فغطيت وجهي بيديّ.. وحاولت أن أتماسك. بدا الارتباك في صوته وهو يقول: ليتني أستطيع أن أعمل شيئا يخفف عنك.. المشكلة أنني مسافر.. طائرتي ستقلع في منتصف الليلة إلى نيويورك. إجازتي انتهت ولا بد من العودة”
الرجل مبددًا وعدًا لم ينطق به
يطير الرجل مبددًا وعدًا لم ينطق به، تاركًا جرحًا غائرًا في قلبٍ برقَ بحب مستحيل لامرأة ذاب حلمها.. “لم أره عندما غادر. كانت آخر كلماته التى سمعتها: ولا بد من العودة. لا أعرف بالضبط ماذا حدث؟ لكني حين عدت من إجازتي الطويلة طلبتُ النقل إلى فرع آخر لقربه من منزلي. وهناك.. جعلتُ شُغلتي البحث عن مغاليق متينة.. أُغلق بها قلبيَ المجروح”.
نشرت القصة في مجموعة “الخسوف” الصادرة عن دار الآداب بالقاهرة عام 2013م.
تبعونا على صفحته الفيس بوك