قصص

جثـــة الفـــراش….جثـــة الفـــراش

بقلم: أحمد محمود شرقاوي

أنا ابويا يبقا الحاج صبحي أبو غريب رئيس الوحدة المحلية وعضو مجلس الشعب واغنى راجل في البلد تقريبا، وهنا في البلد كلمة حاج بتتقال للراجل اللي ليه كلمة ومعاه فلوس، مش للي بيحج خالص، كنت تقريبا عايش على اسم ابويا احلى عيشة، البلد كلها بتقدرني وتحترمني، كل طلباتي مجابة من الألف والياء..
حتي لما طلبت اروح العين السخنة ابويا اداني مفتاح الشاليه بتاعنا هناك، خدت عربيتي وصحابي وطلعنا، بس في الطريق اكتشفت ان واحد صاحبي متصل ببنات يجوا على الشاليه، ورغم اني من جوايا كنت بحلم بده بس لما لقيته اتحقق غضبت، ثورت، حسيت اني في طريقي لأكبر جريمة في حياتي، الزنا، واقسمت اننا خلاص مش رايحين ورجعت على البيت تاني، يمكن كانت الحاجة الوحيدة اللي هفتخر بيها في حياتي..
ركنت العربية ورا البيت الشبيه بالفيلا، ودخلت من البوابة اللي ورا، عديت الجنينة بهدوء ودخلت البيت، كنت في غنى اني اشوف ابويا فين، لانه لو شافني هيسأل عن سبب رجوعي وانا مش حمل اني اتكلم دلوقتي..
طلعت اوضتي ومددت على السرير، كنت مخنوق اوي، مش عارف انا لو طاوعت شيطاني كان زماني بعمل ايه دلوقتي، طفيت النور وحاولت انام، بس الجو فعلا كان يخنق، الرطوبة عالية ومفيش حتى نسمة هوا، حاسس اني محبوس جوة صندوق ضيق، شعور ثقيل اوي عمال يغزوني بعنف، وكأن فيه حاجة تقيلة على صدري..
جثـــة الفـــراش
قمت فتحت الشباك ووقفت فيه شوية، محتاج اي انفاس قبل ما انام، غير نار التفكير اللي بتاكل فيا، شهوتي بتثور شوية وبتخيل اني المفترض دلوقتي ابقا في حضن واحدة، والضمير عمال يصرخ ويقولي انت عملت الصح، والجو خانق جدا جدا..
وفي وسط حالتي دي فوجئت بحاجة ظاهرة من تحت السرير، طرف بطانية قديمة عمري ما شوفتها في بيتنا، غير ان تحت سريري فاضي دايما، قربت منها بشرود وبصيت لتحت السرير لقيت فيه حاجة ملفوفة في البطانية، شديت البطانية بصعوبة وطلعتها من تحت السرير..
فتحت البطانية عشان اكشف اللي ملفوفة فيه وكانت الصدمة، شوفت جثة، جثة لبنت شابة ملفوفة في البطانية، اعصابي كلها سابت ورجعت لورا وانا باصص بذهول للجثة، عقلي مشلول وجسمي بينهار ومش قادر حتى افكر، قمت من مكاني وانا بحاول مقعش والدنيا بتدور بيا..
جريت على تحت ودورت على ابويا في البيت بس ملقتوش، طلعت للجنينة لقيت اتنين رجالة معرفهمش دخلوا من البوابة اللي ورا، حسيت بخوف كبير وجريت على اوضة ابويا جبت البندقية، استخبيت ورا كراسي الاستراحة عشان افاجئ ان ابويا داخل معاهم من باب البيت..
– فين الأمانة يا حاج
– في اوضة الواد فوق
شوية وشوفتهم نازلين وشايلين الجثة وابويا بيقول:
– انا متأكد اني لفيت الجثة كويس تحت السرير، ايه اللي طلعها كدا
سمعت صوت ضحكة سمجة وواحد بيقول:
– يمكن الجثة طلعت تشم هوا يا حاج
حمدت ربنا اني ركنت العربية كويس بحيث محدش يشوفها ويعرف اني رجعت، سمعت صوت ابويا بيتكلم بغضب ويقول:
– اياك اللي حصل ده يتكرر تاني
– يا حاج بعد ما طلعنا الامانة من تربتها ناس شافتنا وكنا هنتمسك، وعرفنا ان هيتعمل كمين للعربية على مدخل البلد، فكان احسن مكان نجيب فيه الجثة مؤقتا عندك انت
– مهو ده لو اتكرر تاني قسما بالله لهدفنكم مكانها
– المهم يا حاج بكرة تجهز عشان نسلم الطلبية
وخرجوا من باب البيت وانا جسمي كله بيترعش، حاسس بصدمة كبيرة ومش مستوعب كلمة من اللي سمعته ده، سمعت صوت عربية برة بتتحرك و
وطلعت من مكاني للجنينة ومنها لبرة البيت خالص، فضلت ما يقارب الساعة عقلي واقف عن التفكير وجسمي بيترعش، اتصلت بابويا وقولتله اني راجع عشان حصلت مشكلة في العربية، واني نص ساعة وابقا عند البيت..
وبعدها دخلت على ابويا وانا ماسك نفسي لأقصى درجة، تلاشيت اي حوار معاه وروحت انام في اوضة الضيوف، استحالة هعرف انام على سريري وانا شايف بعنيا جثة تحته..
جثـــة الفـــراش
في الليلة دي وانا ممدد على السرير وصدري مقبوض لمحت حاجة واقفة في الضلمة، كيان ملوش ملامح، كأنه تمثال، او
او جثة، وقتها كنت عامل زي الغريق اللي مش عارف ياخد نفس واحد، اللي خلاص شايف الموت قدامه بيضحك عليه..
فضلت اتنفض مكاني، بحاول اصرخ، انطق بنص كلمة بس لساني كان معقود مبيتحركش، كأنه لازق في حلقي بغراء، جسمي كان بينهار وبقيت حاسس بأعراض ذبحة صدرية، ألم رهيب مسك صدري وبدأ يطلع على كتفي اليمين ودراعي..
في النهاية وقعت في غيبوبة، غيبوبة شوفت فيها الجثة بترقص حولين السرير طول الليل، كأنك في زار وعشرات الجثث بتطوف حولين السرير، وصوتهم كان عامل زي صوت الصم والبكم، صوت مرعب اكتر من اشكالهم..
في النهاية صحيت، صحيت وانا تقريبا عندي هاجس اني اخاف من اي حاجة بعد كدا، خاصة ان كل ليلة بقت في زيارة من الجثة، مرة تيجي عريانة، مرة جسمها عامل زي الزواحف، مرة ملفوفة في البطانية، وكل مرة وشها بيبقا ظاهر، زرقان تحت عنيها وعلى شفايفها وملامحها غضبانة جدا..
كنت تقريبا بموت بالبطئ، شعري بيقع، بيبيض، وعنيا بريقها بيروح وجسمي بيخس بسرعة رهيبة، كنت معتكف في اوضة الضيوف من يومها بخرج كل فين وفين، ابويا يوميا مع ضيوفه وناسه تحت بصفته عضو مجلس الشعب وانا فوق لوحدي، امي ماتت من سنتين ومليش اخوات..
لحد ما في ليلة قبل ما انام شوفت حفرة، قبر مكتوب عليه اسمي خالد صبحي ابو غريب
وشوفت الجثة بتشاور على القبر، وقتها مقدرتش استحمل، قمت من سريري وجريت على تحت، بس الغريب اني شوفت الرجلين اللي شوفتهم يوم الجثة مع ابويا داخلين اوضة المكتب، استخبيت لحد ما دخلوا، شوية وسمعت ابويا بيقول:
وقتها بس عرفت اني لازم افهم، اعرف ايه اللي بيدور حوليا، خرجت بسرعة برة البيت، فتحت شنطة عربية ابويا ونمت جواها وقفلتها عليا..
دقيقة وسمعت صوت حد بيركب، كان ابويا والاتنين التانيين، وطلعت العربية بيهم، بعد نصف ساعة العربية وقفت وسمعت صوت الابواب بتتفتح وتتقفل..
فتحت الشنطة وبصيت بخوف لقيت العربية واقفة قدام مخزن كبير، شوية ولقيت ناس طالعة منه، ناس كتير وساحبين عيال صغيرة وناس تانيين شايلين اجسام ملفوفة ببطاطين..
وكل ده اتحمل على عربية نقل كبيرة بصندوق مقفول، استخبيت بسرعة جوة الشنطة تاني وركب ابويا والرجلين..
شوية وسمعت ابويا بيتكلم ويقول:
– معانا كام انهاردة
– ست جثث وتسع عيال صغيرين يا حاج
– حلوة طلبية انهاردة يا رجالة
فضلت متكوم جوة الشنطة بترعش، مصدوم، وبعد ساعة ونصف تقريبا وقفت العربية وسمعت ابويا بيقول:
– الهمة يا رجالة بسرعة
وسمعت اصوات شيل وحط، فهمت انهم بينزلوا الحاجة، الجثث والعيال، شوية وسمعت باب العربية بيتفتح ويتقفل:
– ازيك يا دكتور
– ازيك يا حاج
– ايه رأيك في طلبية الشهر ده
– الله ينور يا حاج، بس انت طالب كتير اوي
– وهو ده ليا، مش فيه اللي بيخطف واللي بينبش المقابر واللي واللي، طيب ده الناس في بلدنا والبلاد التانية ابتدوا يحطوا حراس للمقابر وبقيت بدفع كتير اوي عشان اطلع الجثث دي، غير المخزن اللي بحفظ فيه الجثث والحراسة والتلاجات، وبعدين ما الطلبة بيدفعوا كتير يا دكتور
– طيب نزلنا في سعر العيال شوية
– يا دكتور، كل عيل منهم تقريبا بيتفصص، انتوا بتبيعوا الاعضاء دي بملايين، وانا بدفع ياما عشان اعرف اجيب العيال دي
– خلاص يبقا متين الف على العيل وخمسين على الجثة
– ماشي يا دكتور المرة دي بس هوافق على كلامك
وسمعت ضحكات، ضحكات ابويا، ابويا اللي بيتاجر في البشر، جثث واطفال، ابويا اللي بينتهك حرمة الأموات والاحياء، ابويا عضو مجلس الشعب اللي البلد كلها بتحلف بأخلاقه، ابويا اللي كنت فاكره راجل شريف..
ورجعت العربية البيت، ونزلت من شنطة العربية وفضلت قاعد قدام البيت مبتحركش، وغصب عني بكيت، بكيت بهيستريا، القاضية اللي مفيش بعدها قاضية، بقا الجثث اللي بتختفي كل شوية من المقابر كان سببها ابويا، والعيال اللي بتتخطف ابويا بيتاجر فيهم، طيب انت ناقصك ايه عشان تعمل ايه..
دنت عضو مجلس شعب، ومعاك فلوس كتير، ولا يمكن كل فلوسك دي جاية من السكة دي، في النهاية طلعت انام..
وكالعادة الجثث جتلي اوضتي وفضلوا يلفوا حولين سريري، بس المؤلم انه بقا فيهم أطفال، كانوا بيبكوا بصوت يخلي عقلك يدمر، صوت يخليك عايز تنتحر عشان متسمعوش، وشوفت سكاكين بتترفع وتنزل تقطع في اجسامهم، شوفت دم بيسيل زي الشلال في اوضتي..
“أحمد محمود شرقاوي”
وفضلت ايام بعدها بدور في دايرة الجنون، الصدمة مع الرعب اللي بعيشه، حتى الحمام بقيت بشوف الجثة واقفة فيه، وكأني هعيش في الفزع ده طول عمري، في النهاية قررت اني لازم اعمل الصح، لازم ابلغ عن كل اللي بيحصل ده..
يمكن لو كانت الصدمة بس كنت هواجه ابويا، بس امبارح لما شوف كلمة “الثأر” المكتوبة بالدم في الحمام قررت، ومع انفلات عقلي تقرييا طلعت على القسم..
عرفوني هناك ورحبوا بيا، مانا ابن عضو المجلس، طلبت المأمور وبدأت احكيله كل حاجة، كل تفصيلة، وهو قاعد مذهول، جسمه بيعرق من اللي بيسمعه، في النهاية بكيت كتير اوي، بكيت على ابويا اللي خرب كل حاجة، ياريتك مت من زمن..
المأمور بصلي بتوتر وقال:
– الموضوع مش سهل خالص، ابوك معاه حصانة واستحالة نتهمه بحاجة، لازم يتمسك متلبس، واعتقد الحل في الرجلين اللي بيجوا عنده، لو تعرف تصورهم وتبعتلي صورهم
الغريب ان من يومها الجثث بطلت تزورني، استنيت عشر ايام وانا براقب ضيوفنا لحد ما شوفتهم داخلين المكتب، دخلت وكأني بستأذن ابويا في شيء وبعدها حطيت الموبايل على ودني وصورتهم..
وراحت الصور للمأمور اللي حطهم تحت المراقبة، وببساطة قدر يعرف مكان المخزن اللي بيحطوا فيه الجثث عن طريقهم، بس ده مكنش كفاية، ويوم التسليم كانت فيه قوة جاهزة انها تتحرك، ومع تحريات المباحث اتقبض على ابويا متلبس هو والدكتور والجثث والأطفال..
كنت يومها في القسم جسمي كله مشلول ومش قادر حتى اقعد في البيت، وفورا الخبر اتسرب لأهل البلد اللي من غضبهم راحوا ولعوا في البيت كله بتاعنا، مانت سرقت جثث موتاهم مستني منهم ايه..
ومن يومها روحت اعيش في شقة صغيرة كانت امي ورثاها عن ابوها وسبت البلد خالص، ولحد انهاردة مشوفتش ابويا من ساعتها، ولا عايز اشوفه، حسبي الله ونعم الوكيل..
“مستوحاة من قضية شهيرة جدا”

تابعونا على صفحة الفيس بوك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى