قصة قصيرة (ظامئٌ كسر أجنحة التردد ) للأديبة نجوي محمد سلام.
كتب حنان محمد
ظامئٌ كسر أجنحة التردد
في البدء سمعت النداء خفياً ، همسات تمتطي مهر
تحرض أناملي علي التمرد ، وتهديدات كثيرة تأتيني من بقعي المظلمة المحتلة أعماق روحي ، حوار يسري رويداً رويداً يبث في نفسي ألف ألف مشكاة نور فأري حقيقة نفسي ومن أكون .
في البدء ظننت ما أمر به سفه ، مجرد أضغاث أحلام ورطني فيها أكذوبة المسافات وخرافة الغربة حين تغفو علي أكتافي هدأة الروح ويستيقظ الحنين جمراً لأحبتي ووطني .
شدتني نداهة الحروف وسلطانتها وقد شفت حدائقها ، لفت حبالها حولي ولعبت بخلايا عقلي ، اصطفت بشط قلبي معاني السمو والرفعة ، طاف بليلي طوافها ، ومنحني أسرار وخفايا شهوة الكتابة.
وشوشتني شفاه الشهوة الشهباء ، وبعباءة الغواية دثرتني ، وطوتني كالصحف ، ثم تركتني كممسوس صلب في محرابها .
بدلت غابات مخاوفي لرياض تكتظ بالأمان والطمأنينة ، بدلت نعال قلقي الأعرج ومنحتني أجنحة ملائكية ، صارت اللعنة متسع للحرية بعد أن كسرت أجنحتني بوابات الخجل وانطلقت بي الحروف نحو كوكبها الدري.
روحي علي روحي القديمة انتحبت حين انتخبت القلم فارساً مغوارا يأخذني لحضرة نور الكتابة وانعتاق الروح .
لم تكن التجربة هينة لكن شهد اكتمالات روحي ملأ خزائن عقلي بالثورة علي الرتابة وأجج في دمي شهوة الكتابة .
كنت كظامئ كسر أجنحة التردد وانطلق يرتشف من الحبر المقدس ، ويرتوي من كوثر المعاني ، ويغتسل من أدران نفسه بموج اللغة العامر بالغواية ، تتغلغل في أحشائه مسؤولية الكتابة وعبئها الخطير .
تناسلت أرحام أبجديتي الثائرة المقاتلة فما عادت عقارب الوقت تلدغها ، وما عاد تعاقب الليل والنهار يخون ، وما عاد الحنين لأحبتي الراحلين يذبحني بعدما امتلأ إناء الروح بالسمار .
الحرف اللئيم صار كريماً رؤوفا عطوفاً ، أقام ضلوعه محرابا للقيم والأخلاق والفضائل ، صار صوتي بعدما كان سوطي وأنا صرت انطماس في التجلي .