جاءتني شكوی غريبة عن مريض إسمه عبد الله يرفض الخروج من المستشفی بعد شفائه وكنت مصرا كمدير للمستشفی علی خروجه لعدم قانونية تواجده وقد منّ الله عليه بالشفاء فجاءني معاون المستشفی متعاطفا معه وقص علي قصته فهو رجل فقير بل معدم ومهمش ومقطوع من شجرة كما يقولون ليس له مصدر دخل يعيش منه وله إبن وحيد لا يزوره أبدا ومن شدة خوفه من الغد وألا يجد ما يقوتُه ويقيمُه يقوم بالاحتفاظ بوجبات المستشفی علی رف الشباك الخارجي المجاور له كي لا يراها أحد ويقتصد في أكلته حتی يوفر منها ويضمن قوت غده فهو فقير معدم،
تأثرت بحالته وأشفقت عليه وتغاضيت عن أمر خروجه قليلا حيث لا مأوی له، لكنه عكس ما ظننت لم يكن رجلا كسولا جاء المستشفی ليتخذها فندقاً بل كان رجلا نشيطا جدا ومعاونا لزملائه المرضی في الأوقات الحرجة بطريقة لافتة وبروح إنسانية عالية مبهرة وانتماء لا محدود وهي أشياء لا تكاد تراها في عمال المكان أنفسهم فيقوم بالمساهمة في رفع اسطوانات الأكسجين للأدوار العليا ويوفر للمرضی احتياجاتهم من الخارج ويذهب لإحضار أكياس الدم للمرضی، ولما وجدت منه ذلك وجاءتني فرصة تعيين بعض العمالة المؤقتة سارعت بتعيينه مؤقتا فقد كان الأولی بذلك فتوفّر له دخل ثابت وسعد بذلك كثيرا
وداوم علی فطرته فازداد مجهوده وصار شعلة نشاط لا تهدأ ولا تخبو فأحبه جميع العاملين بالمستشفی وقبلهم المرضی فالكل يبحث عن “عم عبد الله” الرجل الخدوم المخلص القنوع صاحب القلب السليم والوجه البشوش وكلهم له عنده حاجة، وما هي إلا شهور حتی تم تثبيته بقرار رسمي فأصبح واحدا من موظفي المكان الرسميين بعد أن صار أيقونة المستشفی فليس منها من لا يعرف عم عبد الله فسعيه كالنحلة واهبة العسل وطيفه في كل مكان لم يزل يصنع الخير وينزع الأسل
رغم أنه من الأنقياء الأخفياء الذين إذا حضروا لم يُعرفوا وإذا غابوا لم يُفتقدوا العاملين في صمت الزاهدين في الحياة والموت
اليوم فقط علمت بوفاة هذا الدينامو الطيب فاللهم اغفر له وارحمه واجعل ما صنعه من خير في ميزان حسناته ياكريم وأكثر من أمثال هذا الرجل العظيم الذي كانت سعادته في إسعاد الآخرين
رحمكَ الله يا عم عبد الله.
تابعونا علي صفحة الفيس بوك