قصص

امـى قـاتــلــة……امـى قـاتــلــة.

بقلم: أحمد محمود شرقاوي

أبويا دخل عليا الأوضة بتاعتي من شوية وكانت أول مرة ألمح النظرة الغريبة دي في عنيه, أبويا كان مُتردد وحيران وكأنه جاي يكلمني في حاجة مصيرية, وانا رغم صغر سني بس كنت بعرف أقرأ الناس كويس, حاولت أشجعه عشان يتكلم وهو في النهاية وبعد تمهيد طويل اتكلم فعلا, وقالي إنه عايز يتجوز وفيه واحدة كويسة أتعرف عليها, وشايف إن ده الصح ليا لأنه يوميا وهو في الشغل بيكون حاسس بالقلق والتوتر بسبب إني لوحدي, وإنه كمان محتاج رعاية واهتمام, كلام كتير عشان يقنعني, وبصراحة أنا من جوايا كُنت مقتنعة إن ده حقه, وحلال, وعارفة من جوايا إن القرار ده اتاخد لمصلحتي أنا قبل مصلحته هو..
أبويا اللي فضل سنتين من بعد وفاة أمي حزين ومكسور, أكيد حاليا محتاج لواحدة ست في حياته, وانا أبقا غبية لو رفضت حاجة زي دي, ابتسمت وباركت الموضوع لأني كنت أتمنى أشوفه فرحان ولو مرة واحدة من بعد موت أمي, وهو استغرب رد فعلي جدا وإن ابتسم في النهاية وقالي إنه هيعرفني عليها قريب ومتأكد جدا إني هحبها وهعتبرها زي أمي الله يرحمها, وكلها تلت أيام ورن عليا عشان أروحله الشغل واتعرف على إسراء اللي ناوي يتجوزها..
وحقيقي الست كانت في قمة الود والاحترام, لدرجة إني لوهلة حسيت إني أعرفها من سنين طويلة, وفضلت تتكلم معايا وادتني كل اهتمامها لدرجة إن أبويا بدأ يتكلم بعبارات معناها إننا هنتفق عليه بعد كدا, ضحكنا طبعا وقضينا يوم حلو مع بعض, وتاني يوم كان في بيتهم بيتقدم, واحدة أرملة ومبتخلفش فأكيد أهلها مش هيصعبوا موضوع جوازها, وتمت الأمور أسرع من المتوقع كمان, وطول فترة خطوبتهم كانت بتهتم بيا وتتواصل معايا لدرجة إننا بقينا ولا كأننا أصحاب, ست هدمت مفهوم مرات الأب في خيالي تماما, مش شرط تكون مرات الأب ست قاسية, ممكن تكون عوض عن الأم اللي فقدناها..
بس فضل جوايا جزء قلقان, متوتر, خايفة تكون بتمثل ده لحد ما تتمكن وتتجوز أبويا, وده مش هيظهر غير بعد الجواز اللي اتحدد بعد شهر واحد بس, سلمت أمري لله وفعلا وبعد شهر واحد اتجوزوا وقضوا اسبوع عسل وبعدها رجعوا بسرعة عشاني, وفوجئت إن معاملتها زادت في الطيبة واللين والحنية, كانت بتعاملني كأني بنتها اللي مخلفتهاش, وقدرت تكسر كل الحواجز بيني وبينها تمامًا, وشوفت انعكاس ده على سعادة أبويا اللي وكأنه صغر عشر سنين كاملين في وجودها, وعشنا حياة مثالية يمكن لمدة 6 شهور كاملين..
وواحدة واحدة بدأت أعرف إنها كانت صديقة أمي من الأساس في نفس الشركة, وانها كانت بتحب أمي ومقابلتش صديقة زيها في حياتها, يعني كمان فيها من ريحة أمي الله يرحمها, ومشيت الأمور كويس أوي, لحد الليلة الغريبة اللي قمت فيها من النوم وانا حاسة بنغزة غريبة في صدري, نغزة خلتني باخد نفسي بالعافية, قلقت لتكون مشكلة في القلب ولا حاجة لأن أمي ماتت بسبب أمراض القلب..
كانت الأوضة ضلمة والعرق بينزل مني وعمالة أنهج عشان أقدر أتنفس, ومسافة ما جسمي هدي وأنفاسي هديت بدأت أسمع صوت أنفاس عالية, بس مكانتش مني, دي كانت جاية من قدام السرير, من قلب الضلمة, الدنيا دارت بيا من الخوف وجسمي كله اترعش وجريت فيه كهربا غريبة, ركزت على مكان الصوت وفي لحظة لمحتها, أمي, أيوة أمي, كانت ماسكة سكينة ضخمة وفي لحظة هجمت عليا عشان تقتلني, وقمت اتنفضت من سريري وانا جسمي في حالة صرع رهيبة مسكتني في لحظتها, ومسافة ما فوقت ملقتش أي حاجة, معرفش ده كان كابوس ولا واقع ولا ايه..
فضلت كتير في السرير على ما عرفت أنام مرة تانية, وعدت الليلة وقررت أتناسى الكابوس الغريب ده, ببساطة لأن أمي الميتة استحالة تأذيني, ده مجرد كابوس ليس إلا, ورغم بشاعته تخطيت الكابوس تماما, بس واضح إني كنت موهومة, لأنه مكنش مجرد كابوس..
في الليلة التانية وقبل ما أروح في النوم سمعت صوت حاجة بتخبط في البلكونة, والغريب أن صوت الخبط كأنه خبط إنسان بيخبط على الباب, تمالكت أعصابي وحاولت أتناسى موضوع الحِلم بتاع امبارح ده, روحت بدون صوت وفتحت البلكونة, بس مفيش أي حاجة إطلاقا, فراغ تام, دخلت البلكونة أبص يمين وشمال مفيش أي حا……
وفي لحظة سمعت صوت من ورايا, ولمحت أمي بشكلها الغضبان وهي ماسكة نفس السكينة وبتجري ناحيتي من الأوضة, وملقتش مهرب غير إن جسمي كله يتقلب 180 درجة وأقع من ارتفاع عشرة متر, وقعت وحسيت بألم الدنيا كله لدرجة إني مكنتش قادرة أقول كلمة آآآه, بصيت لرجلي لقتها منحرفة بطريقة مُرعبة..
الناس شافوني ونادوا على ابويا وجرينا على المستشفى, وكان فيه كسر صعب في قصبة رجلي, وقضيت ليلة بشعة من الألم والصراخ لحد ما رجعت البيت متجبسة وقاعدة على كرسي زي الشخص المشلول, بكيت كتير أوي بس أبويا ومراته كانوا معايا وجمبي, وحاولوا بكل الطُرق يفهموا مني سبب وقوعي بس مكنتش قادرة أنطق بنص كلمة, هتكلم وأقول ان أمي الميتة بتأذيني, سكت, سكت غصب عني..
بس بعد يومين اتحركت بالكرسي الجديد اللي بقيت عارفة انه هيلازمني كتير أوي, اتحركت وأول ما فتحت الدولاب لقيت أمي جوة وماسكة السكين, وصرخت, صرخت بأعلى صوت ووقعت من على الكرسي وحسيت وقتها بألم أبشع من ألم الحادث, وعرفت إني في مصيبة معرفش هخرج منها ازاي, وعلى بالليل كنت بحكي لوالدي واحنا لوحدنا في الاوضة, كان مذهول من كل كلمة بس مقالش غير إني أتحصن كويس وان شاء الله هو يتصرف..
شغلت جمبي قرآن ونمت, وعلى نص الليل صحيت على صراخ رهيب, قعدت على الكرسي واتحركت ناحية أوضة أبويا برعب لقيت مراته بتتنفض وعمالة تقول إن أمي أو عفريتها كان ماسك سكينة وعايز يقتلها, وقتها اتأكدت إن فيه حاجة متعلقة بأمي, حاجة غير مفهومة..
وقضيت شهر, شهر كامل من الرعب والفزع مع كيان كل همه يهجم عليا ويقتلني بالسكينة, ولما انهرت واتكلمت مع مرات أبويا لقتها رافضة تتكلم, وكأنها مخبية عني حاجة غير مفهومة, وبعد إلحاح كبير أوي قالتلي إن أمي كانت بتعمل أعمال وأسحار كتير, وانها نصحتها كتير بس مكانتش بتسمع كلامها رغم ان أمي كانت انسانة متعلمة ومُثقفة, وممكن ده بسبب عمل عملته زمان واتجدد دلوقتي, أو يمكن حاجة قررت تأذيني بسببها وخرجت دلوقتي لهدف ما..
ليلتها بكيت, بكيت كتير أوي, بكيت لأن أمي طلعت انسانة سيئة, سيئة ويمكن كفرت بالله كمان, هدعيلها ازاي بالرحمة بعد كل اللي سمعته ده, بس الغريب ان في الليلة دي شوفت أمي في الحلم, ولما شافتني مرعوبة منها طبطبت عليا وقالتلي انها مستحيل تأذيني, ومش هتسبني وتكشفلي الحقيقة واختفى شبح أمي ده تماما, اختفى ومبقاش يظهر ليا, وبقا بيظهر لمرات أبويا اللي بقت تصحا من النوم وعلى رقبتها علامات خنق, وبقت بتهلوس وتصرخ بالليل, لدرجة إنها في مرة دخلت تستحمى وخرجت جلدها متشوه بسبب المية السُخنة اللي نزلت عليها من الدُش..
كل ده وابويا عاجز عن مساعدتها تماما, لحد ما جت الليلة الأسوأ, ليلة ما قدرت أتحرك أخيرا وامشي على رجلي من تاني, سمعت صرخة رهيبة, جريت على أوضة أبويا لقيت هرج ومرج تحت البيت, بصيت وشوفت مشهد بشع, مُخيف, مرات أبويا وقعت بس على راسها مش رجلها, والدم بينزف منها بغزارة, خدناها وجرينا على المستشفى وانا قلبي بيأن من الحُزن عليها, حطوها على أجهزة التنفس وكانت حالتها مضطربة أوي, الدكتور قالنا ان ال48 ساعة الجايين هيحددوا هتعيش ولا هتموت, وسهرت ليلتها أدعيلها وانا ببكي بهيستريا شديدة..
وتاني يوم جالي تليفون من المستشفى, مرات أبويا فاقت وعاوزاني ضروري, جريت عليها وانا ملهوفة عشان أشوفها بتحتضر ولسانها بيتكلم, وكأنها عايزة تخرج سر من قلبها قبل ما تموت:
” أنا كذبت عليكي, أمك مش وحشة, أنا اللي شيطانة واستحق اللي انا فيه, أنا كنت بحب أبوكي أوي, واتمنيت من قلبي انه يتجوزني أنا, بس هو اختار أمك, وانا اتجوزت جواز تقليدي جدا, وعدت سنين طويلة وحب أبوكي مفارقش قلبي لحظة واحدة, لحد ما جوزي مات, واشتعل الحُب القديم في قلبي من تاني, وقتها كرهت أمك, كرهتها من كل قلبي, وعملتلها سحِر بالمرض والموت, كان عندي أمل أبوكي يبقا ليا حتى بعد السنين دي كلها”
“وبالفعل أمك تعبت, تعبت وحالها اتغير وماتت من الخوف والقلق بعد أقل من شهر, قلبها متحملش, وطبعا قالوا دي أمراض القلب ومحدش شك إن الموضوع له علاقة بالأسحار, وفضلت سنتين بعد موت أمك بجري ورا ابوكي وبطارده ليل نهار, سنتين لحد ما قدر ينسى أمك ويبصلي أخيرا, واتجوزنا, وبدأت أخطط أتخلص منك زي ما عملت مع أمك, مش عايزة حاجة تفكرني بيها ولا تشاركني في أبوكي, فقررت أتبع نفس الإسلوب, عملت السحر اللي كان مفترض يتجدد كل شهر, وطلبت من الدجال يسببلك رعب في حياتك ويكرهك في أمك الميتة, وقد كان, لحد ما سمعتك بتحكي لابوكي انك بتشوفي أمك الميتة, ومثلت عليكم أكتر من مرة انها بتظهرلي انا كمان عشان محدش يشك فيا”
“وجاب السحر نتيجة ووقعتي من البلكونة, بس لسبب ما فضلتي عايشة, كان المفروض تموتي بس ده محصلش, وعدى الشهر وروحت أجدد بس طلب مني مبلغ كبير أوي, ولما مقدرتش أدفع انقلب خادم السحر عليا, وبقيت انا المستهدفة بسحر المرض أو الموت, وبدل ما كنت بمثل بقت بتظهرلي فعلا, وبقت بترعبني ليل نهار, لحد ما وقعت انا كمان من البلكونة, بس وقعت على راسي مش رجلي, وكل اللي طالباه منك انك تسامحيني لأني مش هكمل ساعات وهموت”
فضلت يوم كامل في حالة ذهول, مش مصدقة كل الكلام اللي سمعته ده, وحتى لما جالي خبر موت مرات أبويا فضلت في نفس الحالة إياها, ليه الإنسان مش مقتنع إن اللي ربنا مش كاتبه ليه مش هياخده ولو وقف على ايديه ورجليه, ليه الإنسان مش فاهم إن النصيب مكتوب في صحيفة قبل خلق السماوات والأرض, وانك جاي في الدنيا تاخد نصيبك مش أكتر ولا أقل, ليه بنتحدى الله اللي أعظم من الكون كله في أقدار هو اللي مقدرها, احنا ليه أغبياء كدا ومش قادرين نستوعب إن كل واحد له سكة ربنا رسمها له والمفترض منبصش لسكة غيرنا, ليه مش مُدركين لمعنى الآية اللي بتقول:
“وكان أمر الله قدرا مقدورا”

تابعونا على صفحتنا الفيس بك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى