![سعد الهرم](https://nbdaleaisma.com/wp-content/uploads/2025/02/476429961_2568121590054073_5547883694342256397_n-503x470.jpg)
أمي وهي في سكرات الموت كانت عمالة تبكي بطريقة غير طبيعية وجسمها كله كان عمال يترعش، وأغلب الموجودين كانوا شايفين إن دي سوء خاتمة، وأنا كنت منهارة من العياط بطريقة غير طبيعية، أمي بتموت قدام عنيا وكمان سوء الخاتمة واضحة جدًا رغم إنها كانت ست طيبة والكل بيشهد باحترامها وطيبتها، وفضلت على الحال ده لحد ما سمعنا خبط عنيف على باب البيت، ولما فتحوا الباب سمعت زعيق شديد وناس بيقولوا
(غور من هنا يا مجنون أنت)..
وقتها بدأت أمي تتحرك بهيستريا وأكتر من حد قال
(خلوه يدخل شكلها عاوزاه)
ودخل علينا مُعاذ العبيط، شاب مسكين بيتجول من زمن في شوارع مصر القديمة، وكان كل يوم بيجي الصبح ياكل سندويتش ويشرب كوباية شاي على نصبة الشاي بتاعت أمي ببلاش، وياما الناس كلموها إنها بتخسر يوميًا 20 جنيه ولكنها موقفتش العادة دي ولو يوم واحد، ولما كان بيزعل أو يعيط كان بيجي لأمي ويعيط جمبها..
دخل عليها بهدومه القديمة وشعره المنكوش وفضل يبص عليها وتبصله، ولأول رة أسمع صوت مُعاذ يتكلم ويقول
(متخافيش يا أم وردة، أنا هاخد بالي منها) قالها بصوت صعب فهمناه بالعافية، بس الغريب إن رعشة أمي وقفت تمامًا وابتسمت ابتسامة هادية وماتت، وانهار مُعاذ من العياط عليها لدرجة إن كل الناس بكوا على بكائه هو..
واتدفنت أمي في جنازة كبيرة في مصر القديمة وبعد أيام كان لازم أفرش نصبة الشاي والسندويتشات عشان أعرف أعيش لأن مفيش أي مصدر دخل غير المصدر ده، وإكرامًا لأمي كنت بعمل زي ما كانت بتعمل، كل يوم الصبح سندويتشين وكوباية شاي لمُعاذ اللي كان بيجي ويرفض ياخدهم غير لما اتحايل عليه وأفكره بأمي، وأول ما أفكره بيها يضحك وياخدهم..
بس غياب أمي كشفلي إن الدنيا قاسية بطريقة صعبة أوي، لأن من تاني يوم بدأت المضايقات من (سعد الهَرم) أشهر بلطجي وتاجر مخدرات في المكان، واللي كان بيجي على الفرشة يشرب شاي وكانت أمي واقفة حائط صد بيني وبينه، إنما لما أمي ماتت بقا بيجي ويروح براحته، وكانت عنيه فيها شر غير طبيعي، لدرجة إني كنت بخاف منه خوف غير طبيعي، بس مكنش بيتمادى، يجي يشرب الشاي ويتكلم شوية وبعدين يمشي، لحد ما في ليلة سمعت صوت خبط عنيف على باب البيت، فتحت بسرعة لقيت مُعاذ واتكلم بسرعة وقال بصوته المُعاق
(سسس سسعد جاي أوعي تفتحي وأعملي نفسك مش في البيت، هيخبط عليكي بعد شوية صغيرين)..
قال الجُملة دي ومشي، وقفلت الباب وأنا خايفة، وفعلًا بعد شوية سمعت صوت خبط على الباب، وجسمي كله اتنفض، لولا تحذير مُعاذ كنت هفتح عادي، ولو سعد اتهجم عليا استحالة حد هيتدخل، المنطقة هنا أسوأ مما تتخيل بمراحل، عشان كدا فضلت ساكتة وقفلت الأنوار، وبعد شوية الخبط وقف، وتاني يوم لقيت واحدة جارتي بتقولي إن سعد كان محشش وبيخبط عليا بالليل ومعاه المطواة والحمد لله إني مفتحتش، قلبي فضل يدق من الخوف وحمدت ربنا إنها عدت على خير، وجه مُعاذ بدون كلام شرب الشاي وأكل السندويتشات ومشي..
وبعد شوية جالي سعد بس نظراته كانت أشد وفضل يبص عليا وهو بيشرب الشاي، وبدون مقدمات طلب مني نتقابل ونقعد مع بعض شوية، خوفت منه وحاولت أتهرب لقيته بيقولي لو خايفة أخرج هو ممكن يجيلي بالليل، وحاولت أهاوده بالكلام لأني عارفاه كويس أوي، وتاني ليلة سمعت نفس الخبط وكان مُعاذ، وقالي إن سعد جاي بعد شوية ولازم استخبى ومفتحش الباب، واتكرر الموضوع ده يمكن أسبوع كامل، مُعاذ يحذرني ومفتحش واجي تاني يوم أقول لسعد بخوف إني كنت في مشوار، لحد ما جه في يوم آخر النهار وأنا بلم الفرشة بتاعت الشاي لقيت سعد قدامي، وقالي وهو مبتسم بابتسامة خبيثة
(انهاردة هتيجي معايا بقا نتمشى شوية سوا وإلا أنتي عارفة)
وشوفت المطوة في جيبه أو هو اللي كشفها عشان أخاف، حاولت أتهرب بس التوك توك كان واقف وقالي يا إما أجي معاه أو هيكسر الفرشة كلها ومش هيخليني أقعد في المكان، ولقيت نفسي مضطرة أركب معاه، واتحرك التوك توك لحد ما وصل لمنطقة عبارة عن خرابة، معقل لتجار المخدرات والمدمنين واستحالة حد عادي يدخلها ويخرج سليم، ونزلنا من التوك توك اللي اتحرك والسواق بتاعه قال
(بالهنا والشفا يا هَرم)
وعرفت إني وقعت في مصيبة مش عارفة ممكن أخرج منها ازاي، اتحايلت عليه يسيبني قالي إنه هيتجوزني وإني هكون مراته وكفاية تعب وشقى في عمايل الشاي، حاولت أمشي واسيبه طلع عليا المطوة وشوفت في عنيه الشر، وبدأت زي الطفلة أنادي على أمي عشان تيجي تحميني من اللي أنا فيه، كنت حاسة برعب غير طبيعي، وقبل ما يلمسني ولو لمسة لقيته صرخ من الوجع وبص وراه، وشوفت معاذ واقف وبيبص عليه بغضب بعد ما ضربه بحجر في ضهره، سعد بصله بتعجب وقال
(أيه اللي جابك يا معتوه أنت يالا غور من هنا)
وسمعت صوت مُعاذ الغريب بيقول
(سبها تمشي أحسن أضربك)
وضحك سعد، ضحك زي الشيطان وفتح مطوته أكتر وقاله
(تعالى اضربني وريني)
بعدها كل حاجة عدت بسرعة، سعد شدني عليه، وصرخت، وهنا اتدخل مُعاذ اللي في لحظة لمحت المطوة اتغرزت في بطنه، صرخت لما شوفت الدم، واتقهرت لما لقيته وهو بينزف وبيحميني وعمال يزق فيا عشان أمشي، وغصب عني طلعت أجري، جريت وأنا بصرخ لحد ما خرجت من المكان ورجعت على بيتي، فضلت أبكي لحد الصبح من االخوف والقهر على مُعاذ، وتاني يوم الصبح جالي سعد وهدني بالموت لو حكيت عن اللي حصل وإنه هيختفي فترة لحد ما الدنيا تهدى ولو اتكلمت هيجي يخلص عليا، إنما لو سكت هيبعد عني ومش هيقربلي..
بس مكنش ينفع أسكت، وروحت القسم بلغت، وحكيت كل حاجة، طالما هو مات وهو بيدافع عني يبقا معنديش مشكلة أموت وأنا بجيب حقه، وقتها نزلت حملة كبيرة أوي للمنطقة لمت تجار مخدرات وقدروا يمسكوا الهَرم، ونضفت المنطقة كتير أوي والكل لعن الهَرم واترحموا على مُعاذ المسكين..
معرفش ليه وقتها جه في بالي كلام كتير أوي، كلام بيقول إن أحسن حاجة تسبها لعيالك بعد موتك الخير، مش الفلوس ولا الورث، السيرة الطيبة وأعمال الخير هتحميهم ويعيشوا عليها بأمر الله بعد موتك سنين طويلة، وتحديدًا صدقة إطعام الطعام اللي كانت السِحر اللي نجاني بفضل الله من أصعب حاجة عدت عليا في حياتي..
(أطعموا الطعام)
تابعونا على صفحه الفيس بوك