امبارح واحنا حاطين الطبلية وقاعدين بناكل في الصالة باب البيت خبط خبطات هادية وبطيئة, وفورا أمي اتنفضت من مكانها وطلبت مننا نشيل الاكل بسرعة لحد ما تفتح وتشوف مين, ولما استغربنا من موقفها قالت إن دي خبطة البت عنايات اللي بتطلب فلوس أو أكل من البيوت هي حفظاها كويس أوي, وفعلا وبدون نقاش شلنا الأكل, وخرجت أمي وهي بتعرج عرج مصطنع لحد ما فتحت الباب, وفعلا كانت عنايات, بنت مسكينة وعقلها خفيف بتخبط كل كام يوم على البيوت تاخد رغيف عيش, خمسة جنيه, سندوتش, أي حاجة كانت بتاخدها كانت بتفرحها..
بس الكلام ده ممكن تلاقيه في أي بيت إلا بيتنا احنا, أمي كانت ماشية طول حياتها بمبدأ “أكل البيت للبيت” و “اللي يحتاجه البيت يحرم على الجامع” وأي حاجة في البيت فاحنا محتاجينها, الفستان القديم المتقطع ينفع يبقا فوطة للمطبخ, رغيف العيش الزيادة يتقطع ويتحط في شوربة العدس تاني يوم, شوية المية الساقعين إحنا أولى بيهم من الضيف اللي ممكن يجي يشربهم ومنستفدش منه أي حاجة..
اتربينا على كدا ومتعلمناش غير القاعدتين دول, طالما الحاجة في بيتي فانا هحتاجها, والضيف مالوش غير رد السلام لا أكثر ولا أقل, حتى المحتاج فهو في الأغلب متصنع ومعاه اللي يكفيه وزيادة, بس هو جشع ومبيشبعش, وبعد ثواني دخلت أمي وقفلت الباب وقعدنا نكمل أكل, كنت بستغرب ليه عنايات بتيجي رغم سُمعة أمي في المنطقة انها حرفيا مبطلعش كوباية المية لحد, بس هي فعلا بنت عقلها خفيف, وممكن متكونش بتستوعب إنها مهما تزورنا هترجع زي ما جت..
كملنا أكل لحد ما نزلت من على سلم البيت قطة ووقفت تبص للأكل بتحفز ورغبة, ولسان حالها بيقول إنها جعانة ومحتاجة أي حاجة, تجاهلنا وجودها تماما بس هي بدأت تقرب وتتمسح في رجل أمي زي القطط لعل أمي تشفق عليها وتديها أي حاجة, وفورا أمي مسكتها من رقبتها وفتحت باب الشارع ورمتها برة وقفلت الباب..
ورجعت عشان تكمل أكلها, ومفيش نص دقيقة ونزلت القطة من على السلم تاني, وبدأت تموء وتقرب من أمي لعل وعسى تاخد منها ولو لُقمة, أمي بصتلها بغضب وقال:
وشالتها بقسوة المرة دي وقامت رمياها برة باب البيت ورجعت عشان تكمل أكلها, ومسافة ما بدأت تاكل رجعت القطة تظهر من تاني, كأنها بتطلع للسطح في لحظات وتنزل تاني, وفي سهو من أمي خطفت منها جناح صغير من الفراخ اللي كنا بناكلها, وشوفت جمر ملتهب بيولع في عنين أمي من الغضب أول ما ده حصل, مسكت القطة بغضب شديد وجابت كيس العيش القماش وحطت فيه القطة وربطت الكيس أوي لحد ما كانت هتفرم جسم القطة, وخدت الكيس ورمته من على السطح ناحية كوم الزبالة اللي كان في ضهر البيت..
وقعدنا كملنا أكلنا ومحدش فينا ولا انا ولا أخويا الصغير قدر يفتح بقه ويعارض أمي, ببساطة أمي كانت ست قادرة زي ما بيقولوا, أبويا نفسه متحملهاش وجاله القلب ومات, ست قادرة تتخانق مع قبيلة ومتتعبش, ويا ويل اللي يعارضها وبالأخص لو كان حد من أولادها اللي هما احنا..
وعلى بالليل ولعت الفرن وبدأت تخبز العيش بتاع تاني يوم وانا ساعدتها شوية وبعدين كل واحد دخل أوضته عشان ينام, كانت الساعة داخلة على 12 بالليل والبلد كلها في سكون تام..
ومسافة ما مددت على السرير سمعت صوت مواء خشن جاي من على السلم, وكأن فيه قطط بتتخانق وبيقطعوا بعض, الصوت كان مُخيف وله صدى غريب جدا ويخلي جسمك يقشعر, حاولت أنام واتجاهل وجودهم لأن عندنا في الارياف القطط بتظهر كتير عادي بس مقدرتش, لأن صوتهم فعلا كان قاسي وعالي ومستفز..
خرجت من الأوضة وطلعت على السلم ولفت نظري ضوء أصفر غريب مولع على السلم, خوفت أحسن يكون حرامي خاصةً إن نور السلم لونه أبيض, طلعت بهدوء وانا قلبي بيدق عشان اتفاجئ بمشهد مُرعب, شوفت راجل أصلع وعنيه مشقوقة بالطول وقصير أوي, شايل بين ايديه قطة غرقانة دم وعمال يهز فيها وكأنه عايزها تصحا..
مسافة ما شوفته شهقت شهقة روحي كانت هتطلع فيها, وهو بص ناحيتي بصة واحدة بس, ووقعت من على السلم واتدحرجت دور كامل لحد ما حسيت إن عضم جسمي كله اتكسر وشوفت الدم مغرق عنيا, أمي خرجت على صوت الوقعة ولقتني بالشكل ده, بدأت تصرخ برعب والجيران اتجمعوا وكانت الحالة مش صعبة, جرح في الراس اتغير عليه وكدمة في مشط رجلي, ووجع بقا في جسمي كله بس مفيش كسر..
شوية والجيران اتطمنوا عليا ومشيوا وأمي بدأت تحمر عينها عشان تعرف أنا ليه طالعة فوق بالليل في الوقت ده, اتحججت بأي حاجة ودخلت عشان أنام لأن جسمي فعلا كان بيأن من الوجع, شوية وشوفت النور الأصفر من تاني, كان ظاهر من فتحة الباب, وده معناه إن صاحب النور ده في صالة البيت دلوقتي في الدور الأرضي..
بصيت من فتحة الباب بهدوء شديد وشوفت مشهد مرعب, القطة الغرقانة بالدم كانت واقفة على رجليها الاتنين زي البشر وبتشاور على أوضة أمي, وفي لحظة فتح الكائن الأصلع ده أوضة أمي ودخل, واتنفض جسمي كله مرة واتنين وتلاتة من الرعب..
واتشل تفكيري تماما ومبقتش عارفة أنا ممكن أعمل ايه, أخرج من الأوضة وأنجد أمي من اللي ممكن يحصلها, ولا أخليني في الأوضة متحركش لأني فعلا مش قادرة أخرج, وفي النهاية مقدرتش وفتحت الباب بهدوء شديد, كان لسة النور الأصفر في أوضة أمي من جوة, والباب بتاعها مفتوح, قربت أكتر وانا صوت دقات قلبي سامعاه من شدة ضرباتها ومرعوبة إنه يشوفني أو يسمعني..
شوية ولمحت المشهد بالكامل, شوفت أمي نايمة وبطنها متعرية, والكائن الأصلع حاطط ايده وغارز ضوافره في بطنها بعنف وهي عمالة تتنفض وتأن في صمت, بس كانت مغمضة عنيها زي ما هي, وبدون وعي مني صرخت, صرخت بأعلى صوت ووقعت في الأرض منطقتش..
معرفش فضلت كدا أد ايه, بس اللي أعرفه إني صحيت على صوت أنين عالي, فتحت عيني وجريت على أمي لقتها نايمة على السرير وبتتألم بشدة, كشفنا بطنها ولقينا آثار خرابيش وعلامات زرقة كتير, مسكت نفسي بالعافية عشان محكيش حاجة وحاولت أطمنها بقدر الإمكان, بس منظر عنيها الحمرة ووشها الباهت كان بيقول غير كدا, أمي كانت مريضة, وباين عليها إنها بتعاني وكأنها في سكرات الموت..
جريت على دكتور في عيادة قريبة مننا وجبته, كشف عليها وكان شكله حيران, وكل اللي قاله إنها مرهقة ومحتاجة ترتاح, وسابنا ومشي, مشي عشان أمي تلازم السرير بتاعها اسبوع كامل, اسبوع مبتتكلمش, وأي حاجة بتاكلها بترجعها, وجسمها تقيل زي الأموات, وعنيها يوم بعد يوم بتدبل وكأنها هتفقد حاسة البصر قريب أوي, قعدت طول الإسبوع ببكي جمبها وانا مش عارفة أنا ممكن اعمل ايه..
وحتى فلوس البيت معاها ومخبياها, ومش معايا جنيه أوديها مستشفى, وهي مبتساعدنيش عشان تدلني على مكان الفلوس, وأغلب الناس اللي طلبت مساعدتهم بفلوس سلف مساعدونيش, لأنهم على يقين إن أمي حتى لو قامت مش هترد الفلوس دي..
لحد ما جت الليلة الأصعب بعد سبع أيام, كنت في المطبخ بعمل شاي بالليل عشان أعرف أسهر جمبها, ومسافة ما رجعت الأوضة لقيت ست كائنات شبه الراجل الأصلع, نفس البشرة الباهتة والعيون المشقوقة, وكانت معاهم القطة بس مكانتش غرقانة دم, وكلهم كانوا متجمعين حولين أمي, ومسافة ما شوفت المشهد وقعت من طولي وحرقت نفسي بالشاي السُخن..
ولما صحيت كانت أمي بتحتضر حرفيا, جسمها ضعف أكتر, مبقتش قادرة ترفع ايديها من مكانها, وخرجت من حزني ووجعي قعدت قدام باب البيت, كنت ببكي بصمت ورابطة ايدي لأنها كانت ملتهبة, ووسط كل ده لقيت راجل جارنا وقف قدامي وبقول هدوء قال:
– ازيك يا بسمة
بصتله والدموع في عنيا ورديت عليه, طبطب عليا وطلب مني أقوله أنا ببكي ليه, وفكرني بأنه كان صاحب أبويا وانه كان بيلاعبني من صغري, كلامه حسسني لأول مرة بالأمان, ولقيت نفسي بحكي كل حاجة, كل حاجة بالتفصيل, كان مذهول من كم التفاصيل دي كلها بس منطقش, كل اللي قاله انه هيزورنا على بعد العصر..
وفعلا بعد العصر جالنا ومعاه راجل ملتحي أول ما شوفته حسيت براحة غريبة أوي, طلب مني أغطي أمي كويس لأنه هيبص عليها, وبعدها دخل وبدأ يقرأ قرآن كتير أوي, وحط حاجة على مية وطلب مني أمسح جسم أمي كله بالمية دي, ورغم انها تعبت بس مكانتش قادرة تقاوم..
وبعدها طلب مني كام حاجة اعملهم لمدة تلت أيام, أمسح جسمها بالمية المرقية, وأشغل سورة البقرة في البيت, واقرأ الأذكار في البيت كله يوميا, وفعلا نفذت كل حاجة وكان جارنا يوميا بيجي يتأكد إني عملت اللي الشيخ قال عليه, وفي النهاية أمي قامت, قامت ووقفت على رجلها, ونزلت سجدت أول ما شوفت المشهد..
ورجع من تاني الشيخ, رجع بعد يومين وقعد معانا, وبدأ يفسرلنا كل اللي حصل, قال إن القطة دي كانت من مخلوقات الله من الجن, بيتشكلوا لأسباب لا يعلمها إلا الله, وكانت حامل ومحتاجة أي مساعدة مننا, ولو لقمة, بس أمي خنقتها بالكيس ورمتها, وقتلت طفلها وجرحتها جروح خطيرة, واللي زارنا ده كان جوزها اللي قرر ينتقم لموت ابنه واتجوز من أمي وخلف منها طفل, وده سبب تعبها لمدة اسبوع لأنها كانت حامل منه..
ولما أمي أنجبت وعوضته عن ابنه الميت ومراته اتعافت قرروا يسيبوا أمي مريضة, منزوغة من نزغ الجِن, ولولا فضل ربنا وقرآته اللي حررت أمي منهم كانت ممكن تموت بسبب التعب ده, بعدها بص لأمي بصة طويلة وقال:
“انتي فين يا ست الكل من حديث رسولنا الكريم اللي قال فيه أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام, تدخلوا جنة ربكم بسلام, انتي ليه الشيطان ضاحك عليكي ومفهمك إن الأكل اللي هيخرج أو الصدقات هتقلل من رزقك, ليه مضيعة على نفسك أجر إطعام الناس, انتي فاكرة إن ده هيقلل الأكل اللي في البيت, الرزق ده معادلة كبيرة كلها بين ايدين ربنا, وهو اللي متكفل بيها تماما, فلما احنا نتصدق لوجه الله تلقائيا بيزيد رزقنا, ولما بنبخل على الناس ربنا قادر يهلكنا ويمنع عنا الرزق كله, كان هيفيدك بإيه منع الناس لو كنتي فضلتي مريضة عمرك كله, حاولي تتغيري لأن اللي باقي لينا هو اللي بنتصدق بيه لوجه الله, أما كل فلوسنا وأكلنا وشربنا بيفضل هنا واحنا اللي بنروح هناك”
ولأول مرة كنت أشوف أمي والدموع في عنيها ومتأثرة أوي, وتاني يوم بس عملت أكتر من تلاتين طبق كلهم أكل وبعتتني انا واخويا نوزعهم للجيران من باب الهدية, وشوفتها بتاخد الطبق الأخير وبتروح بنفسها لعنايات المسكينة وبتأكلها بنفسها, المشهد خلاني أبكي وأحمد ربنا على التغيير الكامل اللي حصل, المشهد خلاني أعاهد ربنا إني هفضل أطعم الطعام للناس لآخر نفس في حياتي, لأن دي الحاجة اللي بترفع المصايب وبتزود الرزق وبتدخلنا الجنة..
بقلم: أحمد محمود شرقاوي
…………….
فيه عادة جميلة كانت منتشرة بينا وبقت مهجورة من فترة طويلة, ولو انتي عندك أي بلاء أو مشاكل ممكن تعملي العادة دي انهاردة, تعملي طبق صغير وتحطي فيه حاجة بسيطة, شوية حلويات, أكل من غدا البيت, شوية فاكهة, ممكن حاجة متكلفكيش عشرين جنيه وهتنفع, وتبعتيها لجيرانك من باب نشر الود وتقوليلهم “عملت حاجة حلوة وقولت تدوقوها معايا” وشوفي أبواب الخير وهي بتتفتح في وشك انتي وعيالك بسبب الفعل ده, والأولى بالفعل ده جار بينك وبينه مشاكل أو سوء فهم, ابعتي وشوفي رد الفِعل..
للمزيد من الأخبار يُمكنكم متابعتنا عبر صفحاتنا الرسمية على منصات التواصل الاجتماعي: