قصص

الغـــولة لا تــقـــتـــل…..الغـــولة لا تــقـــتـــل

بقلم: أحمد محمود شرقاوي

على قبل المغرب سمعت صوت جارتنا بتنادي على أمي عشان يروحوا يغسلوا السجاجيد على التِرعة قبل الليل ما يدخل علينا, استغربت انهم هيروحوا متأخر كدا, حتى أمي استغربت شوية لأن جارتنا مقالتش لأمي انهم هيروحوا يغسلوا دلوقتي, بس أمي كانت عاوزة تغسل أكتر من سجادة, شالت السجاجيد وخرجت أمي مع جارتنا واتحركوا ناحية التِرعة اللي كانت قريبة من البيت, شوية ولقيت أمي راجعة بتترعش ومرعوبة وجسمها بيتنفض بطريقة غريبة..
حاولت أستفهم منها سبب خوفها ده, قالتلي إن اللي جتلها دي مكانتش جارتنا, دي كانت الغولة عشان تاخد أمي وتغرقها عند الترعة, كلامها مكانش منطقي خالص بالنسبالي, لأن الغولة وجنية الترعة دي كلها مجرد أساطير, الجيل القديم ممكن يكون مصدقها, انما انا بنت متعلمة واستحالة أصدق الكلام ده, حاولت أستفهم منها هي عرفت منين إن اللي معاها كانت الغولة مش جارتنا قالتلي إن لون رجليها كان اسود زي الفحم, قررت أهدم نظرية أمي تماما وأثبتلها إنها كانت بتتوهم ليس إلا..
روحت على جارتنا ودخلت بيتهم, وكانت المفاجأة, جارتنا مريضة ومقامتش من السرير طول اليوم من الأساس, وانا واثقة إني سمعت صوت جارتنا وهي بتنادي على أمي, خرجت من عندها وانا مش عارفة أنا ممكن أحكي لأمي وأقولها ايه من الأساس, عايزة أطمنها وفي نفس الوقت مش عايزة أكدب عليها, في الوقت ده كان أبويا رجع من الشغل, حكتله اللي حصل بس مكانش مقتنع أوي, وروحنا ناحية الترعة جبنا الحصير والسجاجيد المرمية ورجعنا على البيت, طمنت أمي بأي كلام بس مكانتش مقتنعة إطلاقا, وموهومة إن الغولة هتناديها وهتغرقها قريب أوي, فضلنا نطمن فيها وقت طويل لحد ما نامت في النهاية والموضوع نوعا ما انتهى..
بس من تاني يوم أمي بدأت تقلل خروجها أوي, ومبقتش تروح الترعة تغسل الحصير كل اسبوع زي ما كانت متعودة وزي ما كانت مقدسة العادة دي لحد انهاردة, وبدأت جارتنا المريضة بعد ما قامت وواحدة تانية يقنعوها تروح بالنهار مش بالليل, لأن وقت النهار مفيش فيه غولة ولا أي حاجة..
وفعلا بعد شهر كامل أمي قهرت خوفها وبدأت تخرج بانتظام مع الجيران عشان تمارس الطقس المعتاد رغم اننا حاولنا كتير نوقفها عنه, وخرجت أمي وطولت أوي, يمكن 6 ساعات كاملين لحد ما دخل الليل وأمي ما رجعتش, روحت على الترعة عشان أشوفها وفوجئت بواحد من اهل البلد راجع يجري ووشه مخطوف أوي, حاولت أفهم منه فيه ايه وانا قلبي بيدق بعنف عشان يقولي ان فيه واحدة ست غرقانة في الترعة..
قلبي اتنفض مكانه وجريت زي المجنونة, وهناك وعلى وش الترعة كانت أمي غرقانة وجسمها متكوم على حرف الترعة, بدأت أصرخ زي المجنونة وكان ناس من أهل البلد وصلوا وقتها, وكان المشهد رهيب, أمي جسمها ساكن وعلى ملامحها رعب غريب وجسمها منفوخ من المية اللي شربتها..
الناس شالوها وجريوا بيها على بيتنا, والكل بيصرخ وبيجري والبلد كلها اتجمعت قدام بيتنا, كان أبويا وقتها رجع من الشغل وخد صدمة العُمر, واتحطت أمي في البيت وهي عبارة عن جُثة هامدة, وعلى لسان الناس كلها كلمة واحدة “الغولة غرقتها”
كل اللي عدى بعد كدا كان عبارة عن مشاهد كلها اكتئاب, ودموع, وحزن, مكنتش مصدقة ان أمي تروح مني في لحظة واحدة كدا, وفجأة لقيت أمي على النعش مرفوعة ناحية مثواها الأخير, وانهرت, انهرت يومها انهيار تام مفوقتش منه غير يمكن بعد شهر كامل, شهر وانا عايشة في غيبوبة, سايبة جامعتي, وببكي في أوضتي ليل نهار..
بس زي ما بيقولوا الحياة مبتقفش على حد, مبتقفش خالص, وقمت غصب عني عشان أكمل حياتي, وعشان أكمل دراستي, في اليوم ده كنت واقفة في البلكونة والجو كله ساكت بما إننا في الأياف والجو ليل, وبدأت غصب عني المح واحدة واقفة قدام البيت بس الظلام مش موضح ملامحها, بس الغريب انها كانت شبه أمي في جسمها ولبسها, قلبي نط من مكانه وفضلت أراقبها, بس مكانتش بتتحرك إطلاقا, مجرد واحدة واقفة وثابتة مكانها..
قفلت البلكونة ودخلت وانا حاسة بخوف كبير وتوتر غريب أوي, وعندي شعور ان الست دي ممكن تكون أمي من الأساس, فضلت وقت طويل متوترة, مش عارفة أنام, ورجعت فتحت البلكونة من تاني, وفوجئت بالست لسة واقفة مكانها, وقتها نزلت, خدت مفتاح البيت وخرجت عشان أشوف مين الست دي, وكانت مفاجأة صادمة بالنسبالي لما لقتها هي أمي, ناديت عليها مردتش عليا واتحركت بسرعة ناحية الترعة, حاولت الحقها بس حركتها كانت سريعة أوي, وبدون مقدمات راحت ناطة في الترعة..
وقفت على حافة الترعة انادي عليها وانا بصرخ, بس مكنتش فيه أي حاجة بتجاوبني, وفجأة سمعت صوت أنفاس خشنة أوي في ضهري, بصيت برعب لقيت أمي, وشها وملامحها جامدة, ثابتة, وعمالة تحسس بكف ايديها على معصمها وتبص فيهم, بعدت عنها بخوف لقتها بتعض معصم ايديها لحد ما بدأ ينزف دم, وقتها أدركت ان اللي قدامي دي مش أمي, استحالة تكون أمي..
تابع الغـــولة لا تــقـــتـــل
رجعت البيت أجري وانا حاسة برعب محستش بيه في حياتي كلها, قفلت على نفسي باب الأوضة وقعدت على السرير, بس مفيش لحظات ونور الأوضة كله قفل, ومن قلب الضلمة بدأت أسمع من تاني صوت الأنفاس الخشنة, اتخشبت مكاني من الرعب ومبقتش قادرة أهمس بنص كلمة, وعلى ضوء القمر الضعيف شوفتها من تاني, أمي, كانت بتقرب مني وعمالة تحسس على معصم ايديها وتعض فيه, ومقدرتش أفكر أكتر من كدا ووقعت في غيبوبة طويلة..
لما صحيت قعدت على سريري مش قادرة أخرج من الأوضة, عمالة افكر في اللي شوفته الليلة اللي فاتت, وليه كانت بتحسس على معصمها بالشكل ده, لحد ما جت في دماغي فكرة غريبة أوي, فكرة مجنونة, لبست هدومي وروحت لجارتنا اللي كانت مريضة يومها واللي كانت أقرب واحدة لأمي, رحبت بيا طبعا لأن بيوتنا كلها تعتبر واحد في البلد, ومسافة ما دخلت تعمل الشاي في المطبخ ناديت عليها اني همشي وارجعلها تاني, بس انا مخرجتش..
انا طلعت على أوضة نومها, فتشت فيها بسرعة وبالأخص في الدولاب, وزي ما توقعت, الغوايش اللي كانت أمي بتلبسهم في ايديها, موجودين عند جارتنا, وقبل ما اتحرك لمحت علبة رش لونها اسود, اتسحبت من البيت وخرجت من غير ما تشوفني وبدأت الأحداث تتجمع في راسي..
أنا ازاي غفلت عن الغوايش الدهب اللي أمي لبساهم 24 ساعة في ايديها مبتقلعهمش, ازاي كفناها ودفناها ومحدش خد باله انهم مش موجودين في ايديها, أمي ماتت مقتولة مش الغولة اللي قتلتها زي ما الناس ما بيقولوا, الست رشت على رجليها الرش ده, وخدت أمي من شهر وأوهمتها انها الغولة, عشان عارفة رعب أمي من الموضوع, وعشان لما تتخلص منها بعد كدا الناس تتأكد من كلام أمي انها الغولة اللي غرقتها, وخدت دهبها وسابتها لمصيرها..
وقرين أمي اللي جالي مرة واتنين ده وبيتحسس على معصمه كان بيلفت نظري لموضوع الدهب, وان الموضوع كان كله قضية سرقة وقتل مش الغولة اللي قتلتها..
في الأيام اللي بعد كدا قربت من جارتي أوي, بما انها صاحبة أمي ومن ريحتها, وعرفت ان جارتي مبقتش تروح عند الترعة إطلاقا, كانت بتتحجج ان المكان ده اللي خد أعز صاحبة ليها, بس الحقيقة انها مش قادرة تواجه المكان اللي قتلت فيه صاحبتها..
لحد ما روحتلها في مرة وكان باب البيت مفتوح, وكانت قاعدة مع ست تانية بيتكلموا أعرفها برضه, وسمعت حوار مُرعب بينهم, كانوا عاوزين يخرجوا الدهب ويبيعوه وان خلاص الموضوع مات, واختلفوا على التقسيمة, جارتنا قالت انها اللي نفذت وهتاخد أكتر, لأن التانية رسمت الخطة بس, وهنا اتأكدت كل ظنوني, خرجت واستنيت الست التانية لحد ما خرجت, عزمت عليها تدخل بيتنا وكان واضح عليها الارتياب الشديد, عرفتها إني عارفة بالجريمة اللي حصلت, وعارفة انها مالهاش ذنب في اللي حصل..
ووعدتها بدهب أمي كله لو ساعدتني ننتقم ليها ونتخلص من الطماعة اللي عاوزة تاكل حقها, الكلام كان مُخيف ليها, بس هددتها إن أبويا لو عرف بالموضوع هيقتلهم الاتنين, اما لو ساعدتني هناخد الدهب منها ومحدش هيحس بينا..
وفعلا رسمنا خطة جديدة تماما, راحت أقنعتها إني هروح أغسل معاهم السجاد تكملة لهواية أمي, وقالتلها إني هبقا لابسة دهب وسهل يتخلصوا مني, واتفقنا احنا التلاتة نروح على بعد العصر, وفضلنا هناك وانا لابسة دهب مزيف لحد المغرب, لحد ما كل الستات اللي بيغسلوا مشيوا, ووقتها بس نفذنا, ضربتها بحجر على راسها والست رمتها في الترعة لحد ما اتأكدنا انها غرقت, وقبل ما نتحرك لمحتها..
أمي, وشوفناها احنا الاتنين, الست التانية اترعبت, وفضلت تصرخ وتقول:
“انا معملتش حاجة, انا معملتش حاجة”
وقدام عنيا شوفتها بتقع في الترعة, وكأن أمي قررت تكمل انتقام من الاتنين, شوفتها بتغرق بس انا موقفتش لحظة, ورجعت بيتنا وقفلت الباب, وتاني يوم البلد كلها صحيت على خبر غرق الاتنين, واتقال برضه الغولة, وخدت حق أمي المسكينة..
بس الغولة مش جنية بتقتل وتغرق الناس..
الغولة هي الحقد اللي جوة الناس..
الغولة هي غريزة السرقة وتملك اللي مع الغير..
الغولة هو التفكير الشيطاني جوة كل واحد فينا..
هي دي الغولة اللي قادرة تدمرك, انما الغولة اللي من الجن فدي أشرف من الحرامية والقتلة والمتهاونين مع الجريمة, أشرف منهم الف مرة..
…….

تابعونا على  صفحتنا الفيس بك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى