قصص

جدتى فوزية

بقلم: أحمد محمود شرقاوي

تالت،  يوم عزاء أبويا وبالأخص وانا واقف،  باخد العزا أمي بعتتلي عشان خالتي عاوزة تعزيني لأنها كانت،  بتعتبرني زي ابنها بالظبط, طلعت عند عزاء الستات وسلمت على خالتي وفضلت طبعا تواسي فيا كتير أوي, وفي النهاية سبتها عشان أنزل أكمل باقي العزاء, بس الغريب إن كان فيه اتنين ستات جايين العزاء ونازلين هما كمان, طبعا ماخدوش بالهم مني ولقتهم بيترحموا على،  ابويا وبيتكلموا, وسمعت من واحدة،  فيهم جملة غريبة أوي, كانت بتقول،  “الله يكون في عون الست الكبيرة, بنتها تختفي من 20 سنين وانهاردة ابنها يموت وهي لسة عايشة”
الكلمة فضلت في وداني كتير أوي, وفعلا أشفقت على جدتي اللي ابنها مات خلاص وبنتها اختفت من سنين طويلة, بس فعلا أنا مكنتش أعرف عمتي اختفت ليه أصلا, أو ايه حكاية اختفائها لأني كنت صغير في الوقت ده, وعدى اليوم وبعد يومين كمان بدأت الأمور تهدى نوعا ما, وفي مرة وانا قاعد مع أمي سألتها عشان نتكلم شوية ونغير حالة الصمت اللي خيمت على البيت دي
“هي عمتي راحت فين يا أمي واختفت ازاي”
أمي بصتلي باستغراب شوية وبعدها قالتلي إنهم صحيوا في يوم لقوها اختفت من البيت وأمها تعبت بعد اليوم ده نفسيا جدا وبقت حالتها زي مانت شايف, ست كبيرة وبتهلوس كتير ودايما بتنادي عليها عشان ترجعلها, ده حتى هي مش مستوعبة ان ابنها مات اللي هو أبويا..
معرفش ليه أشفقت على جدتي أكتر وقررت أزورها وأقعد معاها شوية لعل وعسى يكون في فعلي ده نوع من أنواع البِر لأبويا, وتاني يوم اتحركت على بيت جدتي اللي من بعد هروب بنتها أو اختفائها قررت تعتزل كل الناس وتعيش لوحدها في بيت ضخم جدا, روحتلها وبدأت أخبط على باب البيت, بس وانا بخبط اتخيلت بحد بيبص من ورا ستارة الشباك عليا, بصيت لفوق لقيته اختفى ورا الستارة بسرعة, تجاهلت اللي شوفته لحد ما جدتي فتحتلي, سلمت عليها وهي كانت نوعا ما قادرة تميزني رغم إن الكِبر أثر عليها وكانت قربت تتجنن حرفيا..
دخلت قعدت في الصالة وسلمت عليها, كانت صامتة مبتتكلمش خالص ونظرها شاخص ناحية الحيطة, ست عجوزة ووشها مشقق ولابسة اسود وقاعدة شبه بتكلم نفسها, طلبت منها لو احتاجت مني حاجة تتواصل معايا وقررت أمشي لأني مش هقدم في وجودي ولا هأخر..
بس قبل ما أتحرك سمعت وكأن حد بينادي بإسمي من مكان بعيد, أرهفت السمع شوية وانا مش فاهم إيه ده, بس فعلا كان فيه زي صوت بينادي عليا, بصيت ناحية سلم البيت لمحت خيال اتحرك واختفى أول ما بصيت, بصراحة حسيت بقشعريرة مُخيفة أوي, وكأن فيه كهربا غريبة مسكت في جسمي, سلمت على جدتي وقررت أمشي من البيت الغريب ده بسرعة..
طلعت من البيت وفضلت ماشي شوية على رجلي لحد ما أوصل للمعدية اللي هتوديني الناحية التانية ناحية الطريق السريع, كنت ماشي من طريق وحوليا فيه برسيم كتير أوي مزروع, ووسط سرحاني حسيت إن البرسيم بيتحرك عن يميني بطريقة غريبة, وكأن فيه حد نايم جواه أو مستخبي, حسيت من تاني بالقشعريرة إياها, كملت مشي بس جالي إيحاء إني كل ما أمشي عيدان البرسيم المزروعة بتتحرك من حوليا, الموضوع كان مُخيف أوي..
قربت منه واحدة واحدة وشوفت واحدة ست قاعدة وسط البرسيم, أمال انا خايف من ايه, أكيد تبع الجماعة الفلاحين بتوع المنطقة, بصتلي باستغراب فاعتذرتلها, حسيت إن أعصابي متوترة أوي وبدأت أتخيل حاجات غريبة..
وصلت البيت في النهاية وقررت أنام من المشوار الغريب ده, وفعلا قدرت إن أنا أنام, بس وانا نايم بدأت أحس إني نايم على أرض صلبة, خشنة, فتحت عيني لقيت نفسي نايم في صالة بيت جدتي, قمت من مكاني مخضوض وانا مش عارف أنا جيت هنا ازاي من الأساس..
تمالكت أعصابي شوية عشان أقدر أفكر أنا جيت هنا ازاي, خاصةً إني واثق إني رجعت البيت بتاعنا, كانت فيه إضاءة صفرا ضعيفة مخلياني قادر أشوف ملامح البيت كويس, بس الغريب إن البيت كان صامت وكأني جوة قبر من القبور, ووسط تفكيري ده اتفاجئت بواحدة واقفة على سلم البيت, ثابتة زي الأصنام, كانت نفس الست تقريبا اللي شوفتها قاعدة في قلب البرسيم, بس المرة دي كان وشها شاحب بطريقة مُخيفة, حتى جسمها كان عامل زي التمثال, أيوة كأنها مانيكان واقف قدامي..
تمالكت نفسي بالعافية وبدأت أتكلم بالعافية وأقول:
“انتي مين وفين جدتي فوزية”
مردتش عليا واتحركت ناحية الدور التاني, طلعت وراها بسرعة وانا مش عارف مين دي, حاولت الحقها ملحقتش لأنها دخلت أوضة وقفلت عليها الباب, خبطت على الباب مرة واتنين مفتحتش, وبكل توتر الدنيا روحت ماسك مقبض الباب وفاتحه..
ضلمة, ضلمة مُخيفة أوي ومش شايف أي حاجة تقريبا, وقبل ما أدخل جوة لقتها مرة واحدة طلعت من الضلمة وظهرت قدام عنيا, اتنفضت لورة وزعقت فيها لقتها بصتلي بصة طويلة وسابتني ونزلت على تحت, نزلت وراها بسرعة وانا خايف تكون عملت حاجة في جدتي, لقتها بتقرب من أوضة في آخر البيت وبتشاور عليها, قربت من الأوضة وفتحت الباب, وأول ما فتحت الباب لقيت جدتي طالعة بسكينة وراحت غرزاها في جسمي, شهقت شهقة موت واتنفضت..
ولقيت نفسي نايم على سريري في الأوضة بتاعتي, فضلت أنهج كتير أوي لحد ما قدرت أتمالك أعصابي في النهاية, كان حلم واقعي بطريقة مُخيفة, واضح إني متوتر زيادة عن اللزوم وزيارة جدتي كانت غلط في الوقت ده, خاصةً إن أبويا ميت وانا لسة متوتر من ساعتها..
بس للأسف الحلم الغريب ده فضل يتكرر كتير أوي, يتكرر بطريقة مُخيفة, كنت كل ما بنام بصحا الاقي نفسي في بيت جدتي, وأشوف التمثال الغريب ده ونفضل نلف في البيت لحد ما نوصل للأوضة إياها, وفي النهاية تطلع جدتي بالسكينة وتطعني, الحلم وصلني وقتها لدرجة غريبة من الجنون, بقيت بسمع أصوات في وداني بتنادي عليا, وبقيت بشوف خيالات وبحس بحد بيلمس جسمي وانا نايم, حتى أمي بدأت تلاحظ عليا الموضوع ده..
وبدأت أفتح سيرة جدتي مع أمي مرة تانية, عايز أعرف هل فيه حاجة فعلا وليه عايشة لوحدها ومحدش بيزورها, بس أمي مكانتش تعرف حاجة حرفيًا, مسكت ألبوم الصور وبدأت أقلب فيه لحد ما جبت صورة عمتي, سألت أمي وأكدت فعلا إنها صورتها, معرفش ليه فضلت أتأملها كتير, حاسس إن فيه سر ورا اختفائها..
وبعد استمرار الحلم لاكتر من شهر لقيت نفسي بركب العربية ورايح ناحية جدتي من تاني, عديت المعدية ومشيت في نفس الطريق الغريب لحد ما وصلت بيتها, خبطت على الباب خبطتين لقيته اتفتح لوحده, خدت نفس عميق واستعنت بالله ودخلت البيت..
كان فيه صوت جاي من المطبخ, ناديت على جدتي مردتش, وبعد دقيقة لقتها طالعة بصنية عليها أكل, شافتني واتخضت بعدها تمالكت نفسها وقعدت على السفرة, بس اللي لفت نظري إن كانت فيه صنيتين عليهم أكل مش صنية واحدة, وعمتي كانت واكلة أكل صنية والتانية زي ما هي, استغربت خاصةً إنها لوحدها, وأكيد هي متعرفش ان انا جاي..
بدات أحاول استدرجها في الكلام لحد ما قولت:
“هي عمتي فين يا جدتي”
لقتها بصتلي كدا بصة غريبة وبدات تكلم نفسها وتقول:
“جعانة, تلاقيها جعانة”
كانت بتتكلم زي المجانين, معرفش ليه لقتني بسلم عليها وبمشي من البيت كله, بصت عليا لحد ما خرجت, وقفت قدام باب البيت وانا سايبه مفتوح وبعد دقيقة دخلت بهدوء تام, كانت جدتي شايلة الصنية ورايحة ناحية الأوضة اللي بشوف البنت بتشاورلي عليها في الحلم, خوفت تكون عمتي في الاوضة دي محبوسة او حاجة من مواضيع الأفلام دي.
مشيت وراها وانا قلبي بيدق بعنف, لقيت الأوضة فيها سلم وهي نازلة عليه لتحت, خطوة ورا خطوة لحد ما وصلت للبدروم, فتحت الباب ودخلت بصنية الأكل, نزلت وراها بهدوء تام لحد ما دخلت البدروم, وهناك كان الفزع كله في انتظاري, جثتين, جثتين متحنطين وقدام منهم صواني أكل كتير أوي اتعفن والحشرات عليه بالاف..
شهقت من الخضة لقيت جدتي بصت عليا ورمت الأكل من الخوف, بصتلها بثورة شديدة وقلتلها:
– مين دول, انطقي مين دول
لقتها قعدت في الارض وبدأت تبكي بكاء شديد, كنت مرعوب أقرب بس كنت عاوز أفهم ايه المصيبة دي, سألتها تاني وطلبت منها تقول وإلا هبلغ عنها, ولقتها وهي بتبكي بدأت تتكلم فعلا..
قالتلي إن دي بنتها وواحد اسمه جابر, طلبت منها تفهمني وفعلا بدأت تتكلم, قالتلي إن جدي لما مات وابويا اتجوز اتبقت هي وعمتي عايشين مع بعض لوحدهم, وكان فيه مزارع جمبهم اسمه جابر, كان بيحب جدتي أوي وعايز يتجوزها بعد موت جوزها اللي هو جدي, بس طبعا ده كان في شرعهم ممنوع منعا باتا, وفي ليلة شيطانية دخل جابر البيت وجدتي استسلمت له تماما وعملوا الفاحشة مع بعض, الكلام ده كان من عشرين سنة وكانت لسة في الاربعينات, وبعدها اتعلقوا ببعض أوي وبقا بيجلها في الوقت اللي عمتي مبتبقاش موجودة, بس بعد كام مرة عمتي شافتهم, وثارت, وقالت لجدتي انها هتعرف الدنيا كلها, وجدتي خوفا من الفضيحة خدتها حبستها في البدروم وقفلت عليها..
كانت خايفة, مرعوبة من الفضيحة, نزلت تاني يوم البدروم لقت عمتي منتحرة من الصدمة اللي شافت فيها أمها, جدتي وقتها جتلها لوثة لما شافت بنتها منتحرة, وشافت إن جابر هو السبب وهو اللي راودها عن نفسها وخلى كل ده يحصل, وخلته يجي في مرة البيت وطعنته ست طعنات ونزلت جثته جمب بنتها في البدروم, بس اكتشفت انها زي ما بتحب بنتها لسة بتحب جابر, وملقتش حل غير انها تحنط الجثتين عشان تعيش معاهم اللي باقي من العمر وانها لما تسبهم مع بعض هيتصالحوا وبنتها هتحب جابر..
ولحد انهاردة بتنزلهم الأكل وبتقعد معاهم بالساعات ومحدش يعرف عن اللي حصل إطلاقا..
حكت الحكاية وفضلت تبكي بهيستريا, قربت منها بهدوء لقتها بتحضن فيا أوي وفجأة مسكت سكينة من على الترابيزة وهجمت عليا وعنيها حرفيا اتلونت بلون غريب, الست كانت مهووسة ومجنونة بأشد درجات الجنون, وفي آخر لحظة مسكت ايديها وضربتها في صدرها لحد ما وقعت وجريت, جريت زي الممسوس وروحت بدون تفكير بلغت في المركز..
قرايبي وصلوا والحكومة ونزلنا تحت, بس, بس لقينا تلت جثث, عمتي وجابر, وجثة جدتي وهي طاعنة نفسها في رقبتها, كانت حادثة بشعة, فضلنا في الدوامة دي يومين لحد ما الجثث اتدفنت واتقفلت القضية..
ورغم إن الموضوع لسة مأثر فيا أوي بس اتعلمت منه كتير أوي, فيه أخطاء حرفيا صعب جدا جدا تعالجها غير بخطأ أكبر, أخطاء قادرة تدمر حياة الانسان, الزنا مثلا ده كابوس مرعب, قادر يهدم الف الف بيت, جدتي وقعت فيه وكانت النتيجة, جت تعالج الخطأ بحبس بنتها فبنتها ماتت, جات تعالج موت بنتها فقتلت تاني, وجت تعالج من تاني فقتلت نفسها, جريمة حرفيا اللي بيعملها وخاصةً لو متزوج قادرة تدمر حياته كلها, والاحتمال الأكبر انها بتتعالج بالكوارث..
جريمة فكرتني بالربا والناس اللي بتاخد قروض, حرفيا بيوتهم بتتخرب برضه وكل ما بيعالج الخطأ الأول بيعالجه بخطأ أكبر, عشان كدا ربنا قال عليهم الكبائر, لو وقعت في كبيرة منهم صعب أوي أوي تقف على رجلك من تاني, صعب جدا, وبالأخص الزنا اللي اتقال فيه لفظ بليغ جدا..
“ولا تقربوا الزنا” ومقالش “ولا تزنوا”
تابعونا على  صفحتنا على الفيس  بك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى