روايات

رواية”واعتكفت لحبها” للكاتب محمود الإمام.

متابعه: حنان محمد بعرور

الجزء الأول
الساعة 9:20 م .
أجلس فى ذلك المحل التجاري، الذى ينتصف ميدان روض الفرج فى انتصار مبرح على الإيجار اللعين، الذى يلتهم الأموال دون مراعاة لمجهود من بداخله، مثلما يبتلعنى كابتلاع كوب كامل من الماء عنوة من النيل. ورغم ذلك الانتصار، في انتظار انتصار آخر مضاعف، أجلس منتظرًا دخول أحد الزبائن كي أتمم انتصاري، متى يأتى حقًّا؟! لست أدرى! ذلك هو الرزق الذى قسمه الله لى وحدى، فلا دخل لبنى آدم فيه مطلقًا! الرزق آتٍ آتٍ بموعد لا يعلمه إلا رب العباد، إلى أن أتت تلك الغريبة، مرتدية قميصًا أبيض اللون، أعلاه جاكت، مشابه كثيرًا للجاكت الرجالى، لولا أنه يختلف كثيرًا – بالطبع – فى الخامة أنتم تعلمون ذلك، مصحوبًا ببنطال جينز ملتصق على جلدها بكل قسوة، تتساءل بغرابة عندما تراها: كيف ارتدته! صاحبة عين عسلية متسعة، تتساقط حولها شعيراتها الناعمة، يبدو أنها خرجت للتو من الكوافير، فتشتم عن بعد رائحة حرق شعيرتها الممتزج برائحة عطرها. أنفها دقيقة، شفتاها مكتنزتان، يزينهما أحمر شفاه وردى اللون، يبدو أنه من النوع الثمين .
لولا أن يديها بدون خواتم لظننتها متزوجة، بعنقها الشامخ، الطويل، المهيب، المكتفي والواثق، لتثق أنها تنتمى لفصيلة أبراج العقرب النرجسية. قالت بلا مبالاة وهى تمسك بتحفة منزلية :
هى بكام التحفة دى ؟
تعيد قولها بلكنة متسائلة :
يا أستاذ بكام دى ؟
يبدو أن حبيبتى السابقة التى تنتمى لطائفة أبراج العقرب هى الأخرى قد أرسلتها! وإلا لِمَ كانت تنظر إلىَّ بكل اهتمام شديد ومريب؟! التفتُ إلى الزبونة التى بدأت تتساءل بكل اهتمام عن أسعار السلع المعروضة بكل حماسة وهى تتخطاها بكل سلاسة بعدما أمسكت بها قطعة قطعة، تراقب ماركاتها التجارية بدقة، تلك الزبونة تنتمى لقبيلة جاءت هنا للسؤال فقط! أعلم أسعار سلعك، والشراء فيما بعد. بالطبع مهما حدث، فلن أخرج قرشًا واحدًا من حافظتى، لا تحلم. أتطلع إليها فى ضيق. جلست بالفعل فى مواجهتي كأنه تحدٍّ ما! وهى تنظر إلى التحف المعلقة قائلة:
– لازم تعمل معايا واجب ! أنا هاخد اكتر من حاجه.
قلت بآلية اعتدتها وبابتسامة مزيفة مرسومة على شفتيَّ دومًا:
شوفي اللى انتى عايزاه وملكيش دعوه!
قالت باهتمام:
هو عيونك ليه تحتهم سواد؟ إنت مبتنمش كويس ولّا إيه؟!
مندهش من سؤالها الغريب ..
ما شأنك أنتِ؟! جئتِ هنا كي تتبضعى ليس أكثر ! ما شأنكِ بالبائع؟! هيا فلتغربى عن وجهى! أعطيتها ابتسامة خفيفة قائلًا:
معلش ضغط الشغل ومفيش أجازات فمرهق شويه!
بكل بساطة قالت:
وليه بتقولى وانا مالى؟!
لا بد أن تتغير ملامحي، التى تلاشت على أثره؛ كونى بائعًا يجب أن يتحلى بكل هدوء، ويرضخ لجملة الزبون الأحمق دائمًا على حق، حتى فى تساؤلاته الفضولية:
حضرتك سألتينى سؤال وأنا بجاوب عليه، إيه لازمتها الكسفه دي يعنى؟
ضحكت بكل استفزاز وهى تحنى حاجبيها بكل إصرار متحدية وهى تراقب المكان والسلع، ودون أن تلتفت إلىَّ:
وهو أى حد يسألك تجاوبه عادى؟! لو تعبان ومرهق متقولش لحد نقطة ضعفك حتى لو باينه قدام الناس! بالشكل ده هيبقى سهل عليا أضحك عليك؛ لإنى خلاص عرفت نقطة ضعفك إنت مرهق ومعرض للسرقة بنسبة 70%، حاسب على ردك، لازم تكون واثق، حاطت عينك وسط راسك، مش جايز أكون داخله عشان أضحك عليك واسرقك مثلًا؟!
آه حسنًا! جاءت لتعطيني درسًا آخر في فنون الحياة. وهى لا تعلم من يقف أمامها! إنسان متماسك، بداخله عظام هُرست، وقلب مشروخ، وأوردة مصابة بتصلب، معنوياته صفر، يريد أن يكون متماسكًا أمام البشر ولم يفلح بعد! كان هدفه الأول بذلك المشروع الصغير، الاندماج أكثر مع البشر ومعرفة خباياهم، عساه يومًا أن ينسى!..
ينسى ذلك اليوم الذى فارقه فيه أغلى من كان يملك!
روحه!
ماذا تريدين أنتِ الأخرى ها هنا؟!

تابعونا على صفحه الفيس بوك 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى