قصص

القبر المشتعل…القبر المشتعل

بقلم: أحمد محمود شرقاوي

عندنا،  في البلد قبر من القبور كل شوية يخرج منه دخان، وأوقات كمان نار غريبة من وقت للتاني، لدرجة إن التُربي بقا بصورة شبه يومية يروح يغرق حولين القبر مية عشان ميخرجش من القبر دخان، ومع الوقت بدأ الكلام ينتشر في البلد إن المدفون في القبر ده كان راجل فاسد وعاصي وبيعمل ذنوب مالهاش أول من آخر، بعض الناس قالوا كان بيز ..ني والبعض قالوا كان بياكل حرام، والبعض قالوا إن مراته عانت معاه وكانت بتشوف الويل على ابديه وإن اللي بيحصل ده بسبب أفعاله وعشان يكون عِبرة للناس..
فضل الوضع ده تقريبًا يمكن سنة أو أكتر، لدرجة إن الراجل بقا بيتلعن كل شوية وبيتضرب بيه المَثل في الأفعال القبيحة والكل اتبرى منه، مراته وقرايبه وجيرانه وكل الناس، ومبقاش حتى حد من الناس بيروح يقرأ الفاتحة قدام القبر بتاعه، وفضل الحال ده مكمل لحد ما اتوفت أمي، في الليلة دي كنت في حالة صعبة جدًا لدرجة إني معرفتش أنام لحد الساعة 2 بالليل..
ولسبب مجهول قررت أزور المقابر في التوقيت ده، مكنتش مصدقة إن أمي لوحدها في القبر بتاعها، كنت عايزة أبقا جمبها بأي طريقة، عشان كدا اتسحبت من البيت وخرجت، وكنت عارفة إن محدش هيحس بيا ولا هيشوفني، البلد بتكون ساكنة تمامًا من بعد المغرب ومضلمة وكأنها بلد أموات..
عشان كدا اتحركت ناحية المقابر لحد ما وصلت هناك، واتحركت ناحية قبر أمي وفضلت أبص ناحية القبر في صمت كامل، حاولت أتمالك نفسي ومبكيش لإني ممكن اتأذي بس مقدرتش، وبدأت فعلًا أبكي وصوت بكائي يزيد كل شوية لحد ما بدأت أفقد الإحساس بكل حاجة، مكنتش شايفة غير صورة أمي قدامي، أمي اللي ماتت من ساعات بس..
ووسط البكاء ده شوفت قدام مِني حاجة غريبة واقفة في ثبات مرعب، قمت من مكاني وحاولت أبص كويس وأفهم طبيعة الحاجة اللي واقفة قدامي دي، عنيا كانت شبه مقفولة من البكاء والمكان مُظلم، ومش عارفة دي مجرد تهيؤات ولا حقيقة، ووسط الصدمة اللي أنا فيها قدرت فعلًا أشوف طبيعة الحاجة دي، كان نص بني آدم، رجلين وبطن، مفيش صدر ولا راس، والجسم ده واقف قدام مني وثابت تمامًا..
أول ما لمحته شعر راسي كله وقف وحسيت بكهربا في جسمي كله، حاولت أرجع لورا مقدرتش، كل حاجة فيا رافضة إنها تستجيب ليا أو تتحرك، حاولت أقرأ أي حاجة من القرآن بس عقلي فاضي تمامًا، حتى اسمي مش فاكراه، ووسط الرعب ده سمعت صوت غريب جاي من النص إنسان ده ولقيته بيتحرك ناحيتي، وقتها بس صرخت، واتفجر جوايا هرمون الأدرينالين وجريت زي المجنونة، جريت وسط المقابر وكل حاجة قدامي سودة كأني في كابوس، كابوس بشع، فقدت القدرة على تحديد الإتجاهات وبقيت مش عارفة هخرج منين ولا اتحرك ازاي..
كنت بجري وبنهج وبس، بجري وبخبط في المقابر وبقع وبقوم، هدومي كلها بقت تراب وجسمي كله خبطات وجروح، وكل ما كنت ببص ورايا كنت بلاقي الجسم ده بيتحرك ناحيتي، وكأنه مغناطيس رافض إنه يبعد عني، معرفش فضلت على الحال ده أد ايه بس فاكرة إني وقعت، وقعت وبدأت الدنيا تسود تمامًا وكأني بفقد حياتي، وقدام عيني لمحت النص جسم ده بيقرب ناحيتي لحد ما وقف فوق مني، وقبل ما أفقد حياتي شوفت راجل لابس جلبية وماسك عصاية ضخمة، شوفته ضرب الجسم ده بقوة وبعده عني، لقيته بيمد ايده وقومني..
سندت عليه وقومت وأنا مش قادرة أنطق، سمعته بيتكلم بغضب وبيقول
(أيه اللي جابك هنا وفي التوقيت ده، أنتي عايزة تموتي)
بصتله ومتكلمتش، فضلت أسند عليه لحد ما طلعني فعلًا من المقابر كلها، وبعدها سابني ورجع تاني، ناديت عليه بصوت مبحوح وطلبت منه يروحني بيتي، لأني مش هقدر أروح بالحالة دي، رجلي مش شايلاني، وكدا كدا هو أكيد ساكن في البلد نفسها، لقيته اتكلم وقال
(أنا ساكن جوة هنا يا بنتي ومينفعش أخرج برة المكان)
ولقيته اتحرك وسابني ومشي، ورجعت البيت معرفش ازاي وفضلت يومين كاملين مريضة، فضلت أصلي واستغفر عشان ربنا يعيني وأقدر أتمالك أعصابي بعد التجربة دي، وفعلًا وبعد ما بدأت أفوق بدأت أفتكر كل حاجة بالتفصيل، كل حاجة بطريقة مخيفة، واكتشفت إن الراجل اللي خرجني ده أنا عارفاه كويس، ده الراجل المدفون في القبر اللي بيطلع دخان، أيوة أنا عارفاه كويس أوي أوي، عارفاه من أربع سنين، واستحالة أكون بتخيل، وفضلت أسبوع كامل بشوف التفاصيل اللي عشتها في أحلامي، بشوفه بيتكلم بنبرة حزن في آخر الحلم وبيقول (أنا ساكن هنا يا بنتي)..
ومن جوايا بدأت أحس إن الراجل مظلوم، فيه حاجة غلط، لو الراجل مش كويس مكنش أنقذني يومها وطلعني من المقابر، عشان كدا وعلى بعد العصر روحت ناحية المقابر، وكان سهل أوي أوصل للقبر بتاعه اللي بيطلع دخان، ورغم حالة الرعب والكلام عن القبر بتاعه إلا إني حسيت بسكون وراحة غريبة، وفضلت أدعيله كتير أوي وأنا قدام القبر بتاعه، دعيتله لدرجة إني نسيت نفسي لحد ما المغرب أذن والليل دخل، وقتها قررت أتحرك، وقبل ما أتحرك سمعت صوت جاي من بعيد، استخبيت بسرعة ووقفت أراقب صاحب الصوت، كان التُربي، عم سعيد، راجل البلد كلها عارفاه، لقيته ماسك جمرة ضخمة وقام راميها جوة القبر من فتحة صغيرة في الحائط بتاع القبر، وسمعته بيتكلم في التليفون وبيقول
(أيوة يا ست بسمة، خلاص كله تمام)..
ومشي من قدام القبر، وفضلت مكاني مش قادرة أستوعب اللي حصل ده، بسمة دي تبقا مراته، أنا أعرفه وأعرف مراته كويس أوي، بس ليه بتعمل كدا هي والتربي، وبدأت اسأل من تحت لتحت ناس معرفة عن قصة الراجل ده، أغلب الناس كانوا بيرددوا كلام أهل البلد وبس، لكن اللي عرفته إن مراته قاعدة في بيته لحد دلوقتي، وواخدة كل ثروته وعياله من مراته التانية مخدوش أي حاجة، الموضوع مريب، الست دي بتحاول تشوه سمعته حتى وهو ميت، الست دي بتعمل حاجة مش مفهومة..
بس كل اللي كنت أقدر أعمله إني أدعيله وبس، طلعت كل تحويشة عمري وعملت صدقة جاريه له ولأمي، وبقيت بدعيله هو وأمي في كل صلاة بالرحمة والمغفرة، فضلت على الحال ده 3 شهور، لحد ما صحينا في ليلة على مصيبة في البلد، بيت كامل بيتحرق والنار ماسكة فيه، ومقدرتش أستوعب إن ده بيت الراجل الميت، ومراته بسمة كانت جوة، الناس حاولوا يلحقوها ويوم ما لحقوها كانت عبارة عن جثة ملتهبة بالنار، وزاد الكلام بعد الحادثة دي إنه ملعون ولعنته طالت مراته اللي ظلمها كمان، لكن وقتها مكنش ينفع أسكت خالص، روحت لعمامي وحكتلهم كل حاجة وبكيت، اترجيتهم ميسكتوش ويحكوا لأهل الراجل على كل حاجة، ورغم اعتراض أعمامي إلا إن عمي الكبير وقف معايا وراح لأهل الراجل وحكى كل حاجة، وجابوا التُربي وهددوه واللي حكى كل حاجة..
بسمة هي اللي قتلت جوزها عشان تاخد بيته وثروته وكل حاجة، وبعد موته فضلت تحكي قدام كل الناس إنه أخد ثروتها ودهبها واداهم لمراته التانية وظلمها وأكل حقها، محدش صدقها، ولعبت لعبة شيطانية، خلت التربي بالفلوس يولع جوة قبره كل شوية، لحد ما الناس اتكلموا، والكل قال ده حق مراته اللي أكل حقها، ولما عملوا قعدة حكموا ليها بالبيت عشان الراجل ميتعبش في قبره ومراته التانية مخدتش حاجة، وكانت مراته كل ما تتكلم وتطلب حقها تولع جوة القبر عشان الكلام يكتر وتسكت لأن محدش هيقف معاها وهي مرات راجل ظالم..
وأنا بس اللي اكتشفت الحقيقة، وسبحان الله مراته وبعد ظلمها ليه وتشويه سمعته حتى وهو ميت داقت من نفس النار واتحرقت، وانتشرت الحكاية كلها في أيام، وبعد ما كانت الناس بتلعنه بقوا بيترحموا عليه والكل تصدق عنه، واتنقلت اللعنة لمراته وبس، بقا الكل بيلعنها هي، وبقا مفيش زائر للمقابر إلا وبيقف قدام قبره يدعيله..
اللي بيولع النار في الناس ويأذيهم وياكل حقوقهم ويشوه سمعتهم ميفتكرش إنه شاطر، لأن النار جندي من جنود الله، وهتلف تلف وتولع في قلب بيته هو، والمظلمو الناس هتترحم عليه ليوم الدين، الدنيا مش ماشية كدا، الدنيا ماشية بميزان إلهي، ولا يقع في مُلك الله إلا ما أراد الله، واللي ولع النار في بيتك بكرة تولع في قلب بيته ويتفحم فيها، فسلمها لله وبس..

تابعونا على صفحتنا على الفيس بوك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى